في الوقت الذي سعت فيه شركات عالمية بمختلف الأنشطة الصناعية والتجارية للدخول للسوق السعودي كأحد الأسواق العالمية لتوسيع نشاطاتها وباعتبار أن سوقنا استثماري واعد بفضل الحجم الكبير للإنفاق ومشاريع القطاعين العام والخاص ونجحت في تحقيق أفضل نتائجها المالية، رأينا مسارعة الكثير من شركاتنا لركوب موجة التوسع العالمية بأنشطتها بشراء شركات في دول عديدة تبين بعد الاستحواذ عليها - او على حصص منها - أنها استثمارات فاشلة تُمنى بخسائر سنوية تسببت في تآكل متواصل لأرباحها بالسوق المحلي. فقبل سنوات تزايدت إعلانات شركاتنا عن صفقات شراء في شركات بدول مختلفة بأنشطة اتصالات وطاقة ومصانع حديد واسمنت..الخ بمليارات الريالات وكانت جميع الإعلانات وتصريحات مسؤوليها تحمل الوعود بتحقيق نمو كبير بالأرباح، إلا انه مع الأسف تحطمت آمال مساهمي الشركات بعد توالي الأخبار السلبية عن نتائج تلك الاستثمارات التي تسببت خسائرها ومخصصات تخفيض قيمة تلك الاستثمارات في تخفيض كبير بالأرباح التي حققتها شركاتنا من نشاطها محليا، فالمؤسف أن الأرباح التي حققتها من سوقنا بفضل زيادة الاستهلاك ورفع السعر على المواطن اُستخدمت في تغطية خسائرها بشركات فاشلة، وقد رأينا مؤخرا بعد انكشاف حقيقة تلك الاستثمارات وتغير مجالس الإدارات قرارات جريئة بإيقاف مسلسل الخسائر المستمر بها بالتخلص منها والمحافظة على الأرباح المحلية. فإعلانات شركات مثل الاتصالات واميانتيت ببيع استثماراتها الخارجية تؤكد وضع حد للخسائر، كما أن إعلانات شركات مثل البابطين واسمنت العربية بتخفيض في قيمة استثمارات خارجية تشير الى المعاناة المستمرة من تلك الاستثمارات التي تستنزف أرباحها من نشاطها الرئيس! ويظهر من النتائج السلبية السريعة لتلك الاستثمارات أن هناك خللاً في دراسات الجدوى والتقييم والاعتماد على مكاتب السمسرة وعدم دراية بالأسس المحاسبية لإعداد القوائم المالية للشركات ببعض الدول والاندفاع باستثمارات لإبراز عالمية شركاتنا ولو بصفقات خاسرة. ولكن الغريب مانشر مؤخرا عن سعي شركة الكهرباء لشراء حصة في شركة هينكلي بوينت سي بمبلغ (12) مليار ريال لإنشاء محطة نووية لانتاج الكهرباء في بريطانيا ستكلف (24.5) مليار جنية إسترليني وستبدأ في العمل عام 2023م، فالشركة تعاني من ارتفاع كبير بالمديونيات والقروض معظمها من الدولة بهدف توفير الخدمة الكهربائية للمواطنين بالكفاءة المطلوبة، وكان من الأجدى التفكير بجدية بالاستفادة من الأموال التي ستوجه للاستثمار الخارجي في سد حاجة الشركة الملحة لتغطية الاحتياج المحلي من الكهرباء وعبر إنشاء محطات جديدة واستبدال محطاتها الحالية القديمة المرتفع استهلاكها من الوقود والتي رفعت حجم الاستهلاك المحلي من النفط بشكل كبير! كما أن الشركة تواجه تحديات جديدة لتوفير الكهرباء للمباني والأبراج الحديثة ومشاريع الإسكان القادمة وهي تتطلب البدء فورا في إنشاء تلك المحطات وفق تقنيات متقدمة وخصوصا وان الدولة تمنح الشركة الكثير من التسهيلات والامتيازات، فالشركة ليست في حاجة للدخول في مغامرات خارجية وبأموال مقترضه من الدولة او عبر إصدار الصكوك وهي تعاني من نقص في توفير الخدمة الملزمة بتقديمها بكل كفاءة بجميع مدن وقرى المملكة. وأخيرا ففي الوقت الذي تفكر فيه الشركة بالمساهمة في إنشاء محطة في دولة أوروبية نجدها تحطم آمال شريحة كبيرة من المتقاعدين الذين تقل رواتبهم عن (5) آلاف ريال بنفي صحة مانشر عن برنامج لدعم فواتير الكهرباء الذي صدرت موافقة بدراسته من قبل هيئة تنظيم الكهرباء بالاشتراك مؤسسة التقاعد والتأمينات الاجتماعية، فالشركة ستحصل على كامل قيمة فواتيرها ولم ينشر أن الشركة ستتحمل أي مبلغ لكي تسارع بنفي مشروع قرار سيخدم تلك الشريحة وستتحمله جهات أخرى وليس شركة سارعت بدراسة إنفاق المليارات لإيصال الكهرباء لسكان دولة أوروبية غنية.