البحث العلمي هو مجموعة من الأسئلة المتعاقبة التي لا تنتهي دائماً بالوصول لإجابة نهائية مطلقة، بل لعل الإجابات أحياناً تمهد لطريق جديد مليء بالأسئلة. فأحياناً تبدأ فكرتك البحثية بسؤال بسيط وتنتهي بإجابات غير متوقعة وأحياناً تضطر أن تبسط الأسئلة الصعبة وتقسمها إلى أسئلة متعددة بسيطة كي تصل لإجابة. لعلك في صغرك كنت تكره الأسئلة سواء أكانت أسئلة امتحان أو أسئلة عابرة من المعلم أثناء الدرس، ولعلك أيضاً تكره أسئلة الآخرين الشخصية المتطفلة والتي لا تريحك، لكن علاقتك بالأسئلة تتغير حين تنظر لها في إطار البحث العلمي. هنا تصبح الأسئلة منهجية في طرحها، تصبح وسيلة لتحفيز التفكير ولتنشيط إرسالياتك العصبية والعقلية واستحضار معلوماتك والبحث عن معلومة جديدة تساعدك للوصول للإجابة أو جزء منها. ما لم تفهم طريقة وفن طرح الأسئلة لن تصل لفكرة علمية ناضجة يمكنك تنفيذها والبحث فيها، ومالم تتصادق مع هذه الأسئلة حين تسمعها في نقاش أو حوار علمي فإنك لن تتمكن من نقد نفسك أو أفكارك أو نتائجك، ولن تتمكن من التواصل مع الباحثين الآخرين والاستفادة من خبرتهم. والأسئلة لا تنتهي فأنت قد تصل من خلال تجربة علمية لنتائج غير مفسرة، أو تبدو غير منطقية، أو نتائج سلبية تصيبك بالخيبة، لذلك تحتاج أن تتوقف وتطرح الأسئلة هذه الأسئلة الذكية التي تجعلك تنظر للنتائج المطروحة أمامك بحيادية، وتبحث عن الأسباب وعن التفسير لا عن التبرير. الأسئلة هنا توقظ الناقد العلمي داخلك، لذلك فإنك تتفحص نتائجك بدقة تتوقف أمامها متأملاً بعقلية الباحث الجاد الذي يعي أنه قليل المعرفة لكنه يملك أدوات تساعده على تطوير معرفته. كلما تعمقت في مجال البحث العلمي ستجد أن لديك مخزوناً كبيراً من الأسئلة التي تساعدك على فهم أمور كثيرة حولك، ستجد أنك لا تخجل من هذه الأسئلة لا تتردد في طرحها، والأسئلة هنا ليست أسئلة استعراضية لإثبات وجودك أو لتقول أنا هنا أنا لدي فكرة أو قرأت كتاباً متخصصاً أو بحثاً علمياً، بل هي خارطة طريق تنقلك من النقطة البحثية الأولى للنقطة الثانية في محاولة لوصل النقاط للوصول إلى اللوحة النهائية. لا تتردد في طرح الأسئلة ولا تتوقف خجلاً أمام عجزك عن الإجابة، فعدم وجود إجابة يعني أنك وجدت فكرة أو مساراً تبحث فيه لتتعلم وتزيد محصولك المعرفي. تصادق مع علامات الاستفهام وابدأ بالبحث عن إجابة.