البحث والاستقصاء يستدعيان منهجية تفكير معينة تعتمد على دقة الملاحظة والقدرة على الاستنتاج اعتمادا على الأدلة وقبل كل ذلك التمكن من وضع الأسئلة المناسبة قبل البحث عن إجابات لها. لذلك لا يمكنك أن تلجأ في البحث العلمي الى مبدأ "الفهلوة" أو الاعتمادية على جهل الآخرين وعدم المامهم بتخصصك الدقيق خاصة وأن الأبحاث تمر بمسار نقدي وتدقيق قبل أن تنشر في مجلة محكمة وتعتمد كمرجع بحثي. البحث العلمي التطبيقي في مجالاته المختلفة يمر بمرحلة وضع الفرضية أو الأهداف المأمولة، ثم اختيار الوسائل المعملية المناسبة ثم تفعيل هذه الوسائل والتجارب المعملية والتأكد من صلاحيتها بعد ذلك تبدأ التجارب المعملية الفعلية التي قد تأخذ شهورا، وقد تحتاج لإعادة تصميم أو لتغييرات تتناسب مع ما يستجد. بعد ذلك تبدأ مرحلة جمع النتائج وتحليلها ومحاولة ترتيب النتائج المختلفة من التجارب المتنوعة لتصنع كلمات تصوغ إجاباتك على الأسئلة، قد نحتاج تحليلا إحصائيا شاملا لفهم نتيجة ما أو قد نحتاج لإعادة التجارب المعملية باستخدام وسائل أخرى للتأكد من صحة ما وصلنا إليه، وقد نحتاج لإثبات ما توصلنا له بطرق أخرى. وقد تأتي النتائج ومعها أسئلة أكثر صعوبة. على سبيل المثال أن تجد طفرة وراثية في جين جديد لدى مرضى بمرض معين، هذه نتيجة جيدة لكن محاولة فهم دور هذه "الموروثة" في ظهور المرض ووضعها في النظام الحيوي الخلوي وعلاقتها بالمركبات الأخرى في الخلية وفي المسارات الكيميائية الحيوية المختلفة يحتاج زمنا إضافيا وتجارب كثيرة، قد تضع الفرضيات قد يكون لديك تصور علمي ما لكن على أرض الواقع تحتاج وقتا كي تعرف. بمعنى أنه لا يمكنك أن تتوقف عند اكتشاف ما أو نتيجة ما، بل سيأخذك هذا إلى محاولات للبحث عن إجابات أخرى. وكأنك ضمن شبكة من المعلومات والأسئلة. لذلك تحتاج أن تصادق الصبر وأن تضع هاجس المنافسة جانبا وتحتاج أن تتعلم أن تنظر لكل ما تقوم به من تجارب وتحليلات بنظرة دقيقة فاحصة ناقدة تكتشف الخطأ أو الانحياز وأن لا يدفعك حماسك للتغاضي عن نتائج غير مفهومة أو تجاوزها فقط لأنها لا تناسب فرضياتك أو تناقضها فأنت لست في سباق بل أنت في رحلة معرفية، تستدعي الهدوء والتأمل والتفكير، لعلك تفهم شيئا ما في يوم ما!