أقصر الطرق بين أي نقطتين هي خط مستقيم واضح المعالم، هذا ما تعلمناه وحفظناه ونعرفه حتى عندما نريد أن نتحدث عن أنفسنا أو نصف شخص ما بأنه واضح لا يحب اللف والدوران فإننا نلجأ لهذا الوصف. أخلاقياً كل منا يريد أن يكون واضح المعالم محدد الاتجاهات ملتزماً بالمبادئ لذلك فإن الخط المستقيم هو ما نريده ونبتغيه ونفضل أن نسلكه في أخلاقياتنا وتعاملاتنا ، لكن هذا الوصف لا ينطبق على كل شيء في مسار حياتنا. في طريقك للعمل ومع زحمة الصباح قد تضطر أن تسلك طريقاً جانبياً مبتعداً عن الزحام متخذاً من الشوارع الخلفية مساراً حتى تصل لمرادك وفي النهاية كل الطرق ستوصلك أنت ستختار الطريق الذي يريحك مادمت لن تحظى بمخالفة مرور ولن تعكس الطريق ولن تصعد على الرصيف لتتجاوز السيارات المصطفة. أول أساسيات العمل البحثي هو أن تحدد نقطة البداية والهدف النهائي ، فأنت تطرح السؤال أو تحدد معالم المعضلة البحثية وترسم مسارك البحثي في محاولة لمعرفة الإجابة، ثم تشمر عن ساعديك وتبدأ قد يأخذك الطريق باتجاه الإجابة التي توقعتها وترقص فرحا بذكائك مردداً توقعاتي صحيحة أو نظريتي سليمة وقد تنعطف يمينا أو يسارا أو حتى تأخذ (يو تيرن) وتعود لتراجع خطوة قمت بها أو تجربة ما أو معادلة تحليلية تحتاج لتدقيق. في البحث العلمي يجب أن تكون ذا أفق غير محدود لست مقولبا باحثا عن إجابة قطعية ونتيجة نهايئة فأنت لست هنا لتثبت أنك صاحب النظرية الصحيحة أو تنفي نتائج الآخرين أنت هنا لتعرف والمعرفة طريقها طويل ومتشعب. وفي البحث العلمي لايمكنك أن تمشي في خط مستقيم معلوم الملامح مليء باللوحات الإرشادية فأنت فوق موجة قد ترتفع بك عاليا أو تهبط بك أو تعيدك للشاطئ أو ترمي بك في مكان جديد يبهرك ويفتح عينيك على أمور جديدة غريبة. أنت تمشي مع التيار، تيار النتائج، والتحليلات الإحصائية والتطبيقات المعملية، أنت تمشي بهدوء وروية متأنياً لأنك تتوقف هنا لتراقب وتراجع وهناك للتأمل وترتاح قليلا لتقرأ وتحاول أن تفهم، فرحلتك هنا هي رحلة معرفية وليست سباقاً محموماً للوصول من نقطة البداية لنقطة نهاية يقف أمامها المصفقون ليعطوك ميدالية الفوز. يتعب الذين يعتقدون أن البحث العلمي هو خط مستقيم ممهد ليس فيه أي حفر أو تحويلات أو زحام، يتعب هؤلاء كثيراً ويصابون بالإحباط لأنهم يبحثون عن إجابات قطعية حاسمة سريعة ولا يعرفون أن البحث العلمي طريقه طويل فهو رحلة المعرفة المتراكمة.