تقوم السلطات الفرنسية بما في ذلك الحكومة بتعبئة من أجل حماية "بي ان بي باريبا" من عقوبة أميركية قاسية خوفاً على المصرف بحد ذاته وعلى الاقتصاد برمته. وكانت صحيفة "وول ستريت جرنال" ذكرت الخميس أن القضاء الاميركي طلب من المصرف دفع غرامة تزيد عن 10 مليارات دولار لانتهاكه على مدى أربع سنوات الحظر الاميركي المفروض على كل من إيران والسودان وكوبا. وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر مطلعة على ملف القضية إن المصرف الفرنسي يتفاوض مع السلطات الاميركية لخفض هذه الغرامة إلى أقل بقليل من ثمانية مليارات دولار. وخرجت السلطات الفرنسية عن صمتها أمس لتحتج على الارقام المذكورة وتؤكد أن فرنسا ستدافع عن المصرف. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس رداً على سؤال لشبكة التلفزيون فرانس-2 امس "اذا حدث خطأ فمن الطبيعي أن تكون هناك عقوبة لكن العقوبة يجب أن تكون متناسبة ومنطقية، وهذه الأرقام ليست منطقية". ولم يتردد فابيوس الذي يتابع الملف مع وزارة الاقتصاد في وضع المفاوضات الجارية حول اتفاقية للتبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة في الكفة الأخرى للميزان. وقال الوزير الفرنسي "نحن نجري مناقشات مع الولاياتالمتحدة من اجل شراكة أطلسية. هذه الشراكة التجارية لا يمكن ان تبنى إلا على أساس المعاملة بالمثل. وهنا لدينا مثال على قرار غير عادل وأحادي الجانب لذلك إنها مشكلة جدية وخطيرة". وجرت جولة خامسة من المفاوضات للتوصل الى اتفاق للتبادل الحر بين الاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة في 19 مايو بالقرب من واشنطن. وفي حال بلغت الغرامة الرقم الذي جرى الحديث عنه، فإن أول مصرف فرنسي في الرسملة سيخسر مبالغ كبيرة من أمواله مما سيشكل ضربة قاسية له في وقت ستخضع فيه المؤسسات المالية قريباً لاختبار لتقييم قدرتها على مقاومة التقلبات الاقتصادية الحادة. كما سيضعف ذلك قدرة المصرف على منح قروض بما ان القواعد الجديدة في هذا القطاع تربط بين حجم الاعتمادات التي تمنح وقيمة الأموال الخاصة بالمصرف. وهذا ما دفع حاكم بنك فرنسا كريستيان نواييه لزيارة نيويورك الاسبوع الماضي، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز امس. واضافت الصحيفة نقلا عن مصادر قريبة من الملف ان نواييه اعلى مسؤول فرنسي في القطاع المصرفي، التقى مدعي مانهاتن سايروس فانس في مكتبه. وقال نواييه ان العقوبات المطروحة سيكون لها آثار بالغة السوء ليس فقط على اكبر مصرف فرنسي بل على النظام المالي برمته. وذكر مصدر قريب من الملف لوكالة فرانس برس ان "السلطات قلقة اولا من تأثير العقوبات على المصرف وتأثيرها على الحصول على اعتمادات". وقالت الصحيفة الاميركية ان الرئيس فرنسوا هولاند تحدث بشأن ملف المصرف مع البيت الابيض. والى جانب تأثير العقوبات على الجانب الاقتصادي، هناك الجانب التجاري. فامكانية مواصلة القيام بعمليات بالدولار العملة المرجعية للمبادلات أساسية للمصرف. وإذا حرم منها ولو موقتا، فقد يواجه خطر انسحاب عدد من زبائنه. ورفض بي ان بي باريبا وبنك فرنسا التعليق على هذه المعلومات. والى جانب فرنسا، بدأت دول اخرى تقييم آثار العقوبات التي تهدد "بي ان بي باريبا" وقد تؤثر على المالية العامة. وتقول وسائل الاعلام البلجيكية ان بلجيكا التي تملك 10,3 بالمئة من المجموعة يمكن ان تحرم بذلك من الارباح وقد تنخفض اسعار اسهمها. وفي فرنسا قد تنعكس هذه الغرامة على الضريبة التي يدفعها المصرف أحد أهم المساهمين في قطاع الضريبة على الشركات بينما تحاول الحكومة بشتى الوسائل تحسين المالية العامة. وأكد فابيوس ان باريس ستدافع عن المصرف الفرنسي معتبرا ان ذلك "يطرح مشكلة كبيرة جدا جدا". وتتهم واشنطن المصرف الفرنسي بانه قام بين 2002 و2009 بالالتفاف على العقوبات الاميركية على كل من ايران والسودان وكوبا. وكان المصرف قام بعمليات دفع في هذه الدول بالدولار.