من هو ذلك الرجل الذي أراح الناس من شدة الآلام عند إجراء العمليات الجراحية؟! من هو ذلك الإنسان الذي اكتشف المادة المخدرة ومع ذلك لم يسجل اكتشافه، مما أصابه بالمرارة واليأس؟! كان ذلك منذ حوالي 163 عاماً عندما استخدم التخدير فعلياً على مريض يشكو من الآلام المبرحة.. وهكذا فتحت صفحة جديدة من إمكانية إجراء العمليات والجراحات بدون آلام أو معاناة. أما هذا الرجل فهو الطبيب الأمريكي (وليام توماس مورتون) والذي ولد في تشارلتون بولاية ماساشوستس في عام 1819م، وحصل بعد ذلك على درجة البكالوريوس في طب الأسنان من كلية بالتيمور في 1842م ثم على درجة الطب الفخرية من جامعة واشنطن ببالتيمور. ولعل الإنجاز الوحيد لهذا الطبيب الذي قد لا يعرفه الكثيرون هو اكتشاف المخدر أثناء العمليات الجراحية. وقد كان الأطباء الذين سبقوه يستخدمون الكثير من الوسائل لتخفيف الآلام أثناء العمليات الجراحية مثل الكحول والأفيون والقنب والإبر الصينية والتنويم المغناطيسي... إلخ. ولكن جميع تلك الوسائل لم تكن مجدية أو فاعلة. وقد انكب (مورتون) على تجربة مادة الإيثر (Ether) كمادة مخدرة وبدأ بتجريب هذه المادة على كلبه المدلل، فوجد أن الكلب يعود إلى وعيه بعد فترة قصيرة أو طويلة تبعاً لمقدار الجرعة المعطاة. ثم جرب (الإيثر) على نفسه في خلع أسنانه. وكانت أول تجربة فعلية لهذه المادة المخدرة هي التي طبقها على حالة مرضية في 30 سبتمبر 1846م، عندما استخدم (الإيثر) في إجراء جراحة على أسنان مريض كان مستعداً لتحمل أي شيء من أجل التخلص من آلام أسنانه. وبالفعل استخدم (مورتون) الإيثر في تخدير المريض. وعندما أفاق المريض من التخدير قال لمورتون إنه لم يشعر بأي ألم أثناء الجراحة.. وهكذا فتحت صفحة جديدة في الطب للقضاء تماماً على الآلام المبرحة والعذاب الذي كان يلقاه المرضى أثناء العمليات الجراحية. وبعد هذا النجاح الذي لقيه مورتون تقدم أحد أساتذته وهو تشارلز جاكسون، وادعّى انه هو الذي اقترح عليه مادة (الإيثر) كمخدر، أما الطبيب كروفورد لونج، فقال إنه هو الذي اكتشف الإيثر كمادة مخدرة قبل (مورتون). وهكذا لم يتمكن مورتون من تسجيل اكتشافه للمخدر، ولكنه سجل جهاز التخدير فقط، مما أصابه بكثير من المرارة والإحباط، ومات فقيراً لم يتجاوز التاسعة والأربعين من عمره بعد أن ضاعت جهوده من الناحية المادية، لكن اسمه ارتبط مع أعظم اكتشاف أفاد البشرية على مر التاريخ. وهكذا أصبح التخدير مفتاحاً للتخلص من المعاناة والألم عند إجراء العمليات الجراحية بفضل الله أولاً ثم بجهود مورتون، ذلك الطبيب المغمور ....