ينذر بحث جديد بأن عملية تسخين الكرة الأرضية سيكون لها أثر هائل على منظومات الكثبان الرملية في جنوب أفريقيا فتنشر أحوالاً شبيهة بالصحاري وتتلف موارد ارتزاق مئات الألوف من الأشخاص قبل نهاية القرن الحالي. وتتكون أجزاء واسعة من داخل المناطق الجنوبية للقارة الأفريقية والممتدة من المناطق الشمالية لجنوب أفريقيا إلى أنغولا وزامبيا وما وراءها من كثبان رملية ثابتة ومستقرة. وكحد أدنى هذه المناطق يكسوها الخضرة وتعين السكان الذين تتزايد أعدادهم وهم رعاة ومزارعون بأغلبيتهم. إلا أن البحث الذي نشر في مجلة (الطبيعة) «Nature » عدد شهر يونيو الماضي يتوقع بحدوث تنشط (تحرك) واسع النطاق في هذه الكثبان الرملية مع تدني معدلات هطول الأمطار وازدياد الانحباس والجفاف وازدياد سرعة الرياح في العقود المقبلة على غرار ما حدث آخر مرة قبل 14,000- 1600 ألف سنة. وقد صادف نشر البحث فيما كان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يحاول إقناع البلدان الغنية الأعضاء في مجموعة الثماني بالاعتراف بعلوم التغييرات المناخية أي أن نفث دخان المحروقات الكربونية بسبب تسخن الكرة الأرضية مما قد يكون له آثار مدمرة في بعض أفقر البلدان في العالم. وقد رسمت الدراسة التي أجراها الباحثون البريطانيون دافيد توماس وجينز ويغر وميلاني نايت عدداً من مختلف السيناريوهات المتعلقة بالمناخ والدخان المنفوث. وفي اتصال هاتفي قال توماس أنه مع وصولنا إلى العام 2070 وبصرف النظر عن النموذج الذي تستخدمه ستكون لدينا طبيعة أكثر شبهاً بالصحاري مما هي اليوم. والأرجح أن الحياة ستكون صعبة جداً. تحرك الكثبان الرملية يتحكم به عاملان بيئيان كبيران وهما: قوة الرياح وعرضة الكثبان للتآكل الذي يتأثر بدوره من مستوى هطول الأمطار والغطاء النباتي. وانطلاقاً من مراقبة نشاط الكثبان الرملية خلال السنوات العشرين الماضية والعمل الميداني الذي قام به في منطقة كالاهاري تمكن الفريق العلمي من تشبيه تجارب الحقول الكثبانية الثلاثة مع مختلف السيناريوهات المناخية ومختلف مستويات الدخان المحتملة. ويقول توماس أن ثمة تكهنات واسعة بأن العقود المقبلة سوف تشهد مراحل جفاف وهبوب رياح متزايدة في المنطقة يصاحبها تراجع عام في هطول الأمطار، مع أنه ستحدث حالات هطول أمطار غزيرة جداً في بعض المناطق. ولكن حتى ولو ارتفعت مستويات الرطوبة فإنها ستتوازن بارتفاع نسبة التبخر بارتفاع درجات الحرارة وستصبح حقول الكثبان الرملية بالتدريج عارية ومعرضة للعوامل وتبدأبالتحرك. ويشدد الباحثون على أن هذا الأمر سيحدث أولاً وربما ليس أبعد من سنة 2039، في المناطق الصحراوية الجنوبية وتزحف تدريجياً إلى المناطق الشمالية لتصل إلى شمالي بوتسوانا وشرقي ناميبيا وغربي زيمبابوي مع حلول العام 2069. وأشار توماس إلى أن حقل الكثبان الجنوبي له غطاء نباتي جزئي وقد شهد أصلاً تنشيطاً محلياً مؤقتاً خلال مراحل الجفاف الأخيرة. إلا أن ما يقترحه الباحثون مختلف. ويقول توماس: « توسع نشاط الكثبان سيكون على نطاق المنطقة برمتها مع جفاف طويل الآن وانتقال الرمال بكميات كبيرة في الأشهر التي تهب فيها الرياض. وبعد ذلك ستتمكن الرياح إذا كانت طاقتها كافية من أن ترفع الرمال وتبدأ الكثبان بالتعبئة». ويحتمل أن يكون الأثر دراماتيكياً أكثر في الحقول الشرقية والشمالية. ويضيف توماس: « الكثبان الرملية متيبسة في أماكن عديدة في هذه المنطقة ولذلك قد نشهد فيها تغييرات مناخية كبيرة ستؤدي إلى تحول مساحات خضراء حالياً ولكنها رملية إلى بحار رملية متطايرة». وقال مارتين تود من دائرة الجيولوجيا في كلية لندن الجامعية أن هذه الدراسة، شأن دراسات أخرى سبقتها، تبرز احتمال حدوث تغيير مناخي دراماتيكي في الطبيعية الأفريقية. ولكن رغم أن الآراء متفقة على أن درجات الحرارة سوف ترتفع في أفريقيا، أشار تود إلى أن ثمة غموضاً كبيراً حول ماستؤدي إليه تفاعلات معينة كالغطاء النباتي وتحرك الكثبان الرملية. وقال تود في اتصال هاتفي: هناك الكثير مما لا نعرفه حول المدى الذي تستطيع النماذج تشبيه بعض الظواهر كهطول الأمطار وسرعة الرياح وهي الأمور التي يعتمد عليه نموذج هذه الدراسة. ويذكر أن توماس وويغز هما خبيران في التحولات الجيولوجية في مركز جامعة أوكسفورد للدراسات البيئية، ونايت إلى خبير تطوير نماذج نشاط الكثبان الرملية في دائرة علوم الأرض والحياة في جامعة أوكسفورد في مانشستر.