تتعرض البيئة الصحراوية بطبيعتها الفطرية النباتية والحيوانية إلى أشكال جائرة من "الرعي" و"الاحتطاب" و"الصيد"، وكذلك سوء الاستخدام والتعامل من المتنزهين ووسائل نقلهم، إلى جانب المستثمرين في قطاع التعدين وكذا الامتداد الحضري ومخلفاته. ونظراً لأهمية الصحراء التي تمثل متنفساً ومكتسباً اقتصادياً واعداً ومتنوعاً، بدءاً من كونها مصدراً هاماً للطاقة الشمسية المتجددة، ووجهاً من أوجه الاستثمار السياحي البيئي، إلاّ أن الجهود التي تبذل من قبل وزارة الزراعة للحفاظ على هذا المكتسب وما يساندها من جهود حضارية من الهيئة العامة للسياحة والآثار، لن تكون مجدية إذا لم يكن هناك وعي من المواطن ومن جهات الاستثمار التعديني، إضافةً إلى تضافر الجهود من كافة القطاعات الحكومية في مجال المساهمة في التوعية بأهمية البيئة الصحراوية، وكذلك في جدية تطبيق الأنظمة بحق المخالفين لمتطلبات الحفاظ على البيئة الصحراوية، ومن ثم إشاعة ثقافة "المحميات الطبيعية" لإعادة الغطاء النباتي للمراعي، ومن ذلك تنمية بذور الشجيرات الصحراوية بشكل تلقائي. نحتاج إلى «تعاون حكومي» و«وعي شعبي» وأنظمة تطبق وأهمها التشهير بالمخالفين تصحّر واضح في البداية تناول «م.اليوسف» ما تعانيه البيئة الصحراوية في المملكة، وقال:إن الصحراء شهدت خلال الفترة الأخيرة شيئاً من التدمير، خاصةً في مجال «الاحتطاب الجائر» و»الرعي»، مضيفاً أن ذلك راجع إلى قلة الوعي عند بعض المتنزهين، مما ساهم في زيادة عملية «التصحّر» من خلال قطع الأشجار والقضاء على الغطاء النباتي، إضافةً إلى قلة الأمطار التي ساهمت في زيادة الجفاف، وبالتالي قلّت المراعي بشكل كبير، مشيراً إلى أن هناك خطوات إيجابية اتخذت سواءً من ناحية الحفاظ على البيئة والمحافظة على الأشجار، من خلال منع بيع الحطب في الأسواق، كما اتخذت إجراءات بالموافقة على استيراد الحطب من الخارج بدون رسوم، وكذلك استيراد الفحم، كل هذه الأمور ساهمت إلى حدٍ ما في تقليل هذه الظاهرة، إلى جانب زيادة الوعي بشكل كبير عما كان عليه في الأعوام السابقة من حيث الحفاظ على البيئة. د. الشبعان: مستثمرون في التعدين أضروا بالتربة منع الرعي وعن المراعي، قال «م.اليوسف»: إن هناك ظاهرة تمثلت في وجود استهلاك كبير للمراعي، لذا هناك خطة موجودة لدى وزارة الزراعة لإيجاد بعض المحميات لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، بحيث يمنع الرعي في تلك المحميات بهدف زيادة نشر البذور، وكذلك المحافظة على بعض النباتات النادرة التي يلاحظ أنها توشك على الانقراض، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك تكاتف وتعاون من جميع القطاعات المعنية ومن المواطنين، للمحافظة على هذه الموارد وعلى هذه الصحراء، التي تُعد المتنفس الوحيد للسياحة الصحراوية بشكل عام، كما تُعد المورد الطبيعي والوحيد للرعي، وبالتالي يجب الموازنة بين هذه الأمور لكي تبقى صحراؤنا محققة لتطلعاتنا جميعاً. التعاون مطلوب وتداخل «الوابلي» قائلاً: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ»، مضيفاً هذا يعطينا مفهوما عميقا لأهمية الإدارة الجماعية السليمة للصحراء، كون الإنسان يحتاج فيها إلى الماء ويحتاج إلى النار وإلى الكلأ، موضحاً أن الصحاري تشكل نسبة كبيرة من مساحة المملكة، وهذه الصحاري إذا أُحسن استثمارها فإنها ستشكل موارد اقتصادية وبيئية كبيرة، أما لا سمح الله إذا أسيئ استثمارها أو إدارتها أو المحافظة عليها، فإنها سوف تصبح مهالك، بل وعبأ كبيرا على الموارد الأخرى. المطرودي: نحتاج إلى وعي وتحديث الأنظمة وأكد «د.الشبعان» على أن العناية بالصحراء يجب أن تكون من خلال التعاون بين كافة شرائح المجتمع في المدن والقرى، من خلال استشعار أهمية صحة وسلامة البيئة على المجتمع وعلى الثروة الحيوانية، التي تمثل الصحراء المراعي الرئيسية لها، حتى يتم تجنيبها الأمراض والأوبئة التي قد تؤثر عليها، داعياً إلى استثمار جهود فروع وزارة الزراعة في القرى النائية لتوجيه رسائل توعوية بأهمية الحفاظ على البيئة الصحراوية، إضافةً إلى استثمار المدارس والمساجد لتوجيه رسائل مماثلة. الرعي الجائر يؤثّر في الغطاء النباتي اتفاقيات وتوعية وقال «د.الحربش»: إن الحفاظ على الصحاري يُعد واحداً من أكبر وأهم الهواجس لدى الهيئة العامة للسياحة والآثار، حيث عملت اتفاقيات مع وزارة الزراعة ومع الهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية، وكذلك مع وزارة الشؤون البلدية والقروية، للنهوض بالصحاري، وحتى تكون متنزهات وطنية، مضيفاً أن الاتفاقيات سعت بالتوازي إلى تثقيف السائح أو الزائر، ليكون الجانب التوعوي من ضمن المهام التي تعملها الهيئة، مشيراً إلى أنه تم عمل بعض الحملات الإعلامية واللوحات الإرشادية، حيث يجرى العمل على بعضها بالتعاون مع وزارة النقل للتوعية على الطرق السريعة، وإيصال رسائل مباشرة للسائح من أجل الحفاظ على البيئة، وكذلك ترك أثر جيد داخلها، ذاكراً أن الهيئة العامة للسياحة أعدت برامج تدريبية متخصصة لكيفية إيصال الرسائل التوعوية للمجتمع، إلى جانب تنمية الحس الوطني والمسؤولية تجاه المحافظة على البيئة، وهي الفكرة التي تسعى إلى تحقيقها كافة المؤسسات الحكومية على أرض الواقع. م. اليوسف: خطط للمحافظة على بعض المواقع لا تترك أثراً وأوضح «د.الحربش» أنه من ضمن هذه البرامج برنامج «لا تترك أثراً» والذي أقيم في «منتزه الثمامة البري» بمدينة الرياض، حيث عملت الهيئة مع مجموعة من الشباب الذين لديهم اهتمامات بالسياحة الصحراوية برنامج يتكون من سبعة مبادئ لها علاقة بالحفاظ على الصحراء، مضيفاً أن البرنامج ترك أثراً إيجابياً على الصحاري، منها التخطيط والاستعداد للرحلة، ومنها اختيار المسارات الصحيحة، وكذلك عدم قطع الأشجار ومنع الاحتطاب والتخلص من النفايات، هذا إلى جانب العديد من المبادئ المهمة التي لابد أن تغرس لدى الجيل القادم للحفاظ على البيئة، ومن ذلك مراعاة مشاعر سكان البادية وزوار تلك الأماكن. الربدي: نعاني من مخلفات الامتداد الحضري إقامة الفعاليات وقال «محمد المطرودي»: إن من ضمن المهام التي تعتقد الهيئة العامة للسياحة أنها مهمة هو زيادة الجاذبية للمتنزهات، من خلال إقامة الفعاليات التي توصل ثقافة الحفاظ على البيئة إلى المجتمع، مثل الفعاليات التي تقام في المتنزهات والمحميات البرية، وكذلك فعاليات الربيع التي تقام ب»متنزه القصيم الوطني» و»متنزه الغضا» و»متنزه الثمامة» وغيرها، إلى جانب فعاليات مصاحبة للتعريف بالبيئة والمحافظة عليها وطرق التنزه السليم، بالإضافة إلى التعاون المشترك مع بعض البلديات للحفاظ على المتنزهات البرية الطبيعية، مثل ما عملت به الهيئة العامة للسياحة والآثار بالشراكة مع «بلدية عقلة الصقور» للحفاظ على «متنزه قطن البري»، حيث رصد مبلغ قدره ثلاثة ملايين ريال للأعمال المبدئية للحفاظ عليه، تشمل مركزاً للزوار ومناطق تخييم بيئية، حتى يستطيع السائح أو الزائر للموقع أن يجد المكان المناسب لقضاء عطلته. د. الحربش: برنامج «لا تترك أثراً» حقق فوائد كثيرة لوائح ونظم وأوضح «المطرودي» أنه حدثت بعض المخالفات نتيجة تنفيذ بعض الفعاليات التي قد تؤثر سلبياً، مضيفاً أنه يخشى أن تكون هناك مبالغة في البنية التحتية، مع تدخل الإنسان في هذه المواقع، بحيث إنها تفقد ميزتها التي تجعلها متنفساً طبيعياً، لكن دور الهيئة والجهات الأخرى سوف يعمل على تلافي ذلك قدر المستطاع. وأكد «د.المسند» على أن الصحراء تمثل نظاماً بيئياً صحياً وليس مرضياً، وبالتالي يجب أن يتعاطى الإنسان مع هذا النظام البيئي بصورة لا يعتدي فيها على ركن من أركانه، مشدداً على أهمية أن نتعاطى مع الصحراء كما يتعاطى غيرنا مع البحار والأنهار والغابات والجُزر، الأمر الذي يدفعنا إلى إيجاد لوائح ونظم وتنمية السلوكيات التي تسهم في نشر الوعي لدى المواطنين في كيفية التعاطي مع هذه الصحراء، والتي تغطي معظم المملكة، لافتاً إلى أن هناك سلوكيات تساهم في تدمير هذا النظام البيئي والذي يُعد نظاماً هشاً وحساساً قياساً بأنظمة أخرى. د. المسند: قلّة «المراعي» أكثر خطراً على البيئة مكتسب أول وقال «م.اليوسف»: إن هناك نقصاً في الجوانب التثقيفية التي يجب التركيز عليها، خاصةً من النواحي الإعلامية أو من الجهود المبذولة من بعض الوزارات في بذل جهد أكبر للمحافظة على هذه المكتسبات، مشيراً إلى أن الصحراء تمثل المكتسب الأول والتي تدخل ضمن برنامج المكتسبات الوطنية مثل المحافظة على الحدائق والمحافظة على الشوارع والمباني، وبالتالي أرى أن المحافظة على الصحراء يُعد أهم من ذلك بشكل كبير، موضحاً أن لوزارة التربية والتعليم جهوداً جيدة في عملية نشر الوعي البيئي بين الطلاب، حيث لم تكن مثل هذه النقاط موجودة في السابق، ذاكراً أن هذا الوعي سوف يساهم في تنمية الموارد الموجودة في الصحراء والحفاظ عليها. المشاركون في الندوة يشددون على أهمية الجانب التثقيفي في المحافظة على البيئة «عدسة- فهد الفيفي» لا يوجد عقوبة وأوضح «الربدي» أنه من خلال الجولات أومن خلال الصور الجوية نجد أن الصحراء في المملكة مستباحة، بل ولا يوجد في العالم حسب ما شاهدنا أو حسب ما ينقل لنا مساحة بهذا الحجم استهلكت ودمرت بلا مسؤولية وعدم الاكتراث، مرجعاً الأسباب إلى أن الناس معظمهم يملكون الوسائل المناسبة للوصول إلى أقصى نقطة في المملكة دون عناء أو دون أي مشاكل من ذلك توفر سيارات حديثة، مشيراً إلى أن أحد الرحالة اليابانيين ذكر قبل (70) عاماً في إحدى مذكراته عند قدومه إلى مكةالمكرمة قادماً من جدة لمقابلة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أنه مر بمناطق غابات، مبيناً أنه لو بحثنا عن ما ذكره هذا الرحالة فلن نجده في الوقت الحاضر؛ نتيجة الاحتطاب الجائر والتدمير الذي يمارسه الحطّابة، إلى جانب قطعهم الأشجار أكثر من حاجتهم إليها، مؤكداً على أن عدم وجود العقوبة أدى إلى وجود هذا الاحتطاب الجائر. الوابلي: موارد اقتصادية مهملة من دون تطوير.. إعادة الوضع وأشار «الربدي» إلى أن هناك رسالة يجب أن توجه إلى بعض القطاعات الحكومية تتعلق في أن البيئة هي أولاً وقبل كل شيء، وقد وجدنا أن هناك امتيازات في بعض المواقع للتعدين خاصةً في المنطقة الغربية، تعرضت للتجريف والتدمير، ورغم انتهاء الامتياز إلاّ أن الأراضي لم يتم إعادتها إلى طبيعتها كما كانت سابقاً، حيث انحرفت بعض الأودية عن مجاريها، وتوقفت بعض الأودية عن الجريان، نتيجة قطع مصادر جريانها، موضحاً أن هناك بعض الشركات الصغرى التي تأخذ من البيئة والموارد الطبيعية أكثر مما تعطي رغم وجود ضوابط لذلك، مما يعني إعادة الوضع إلى طبيعته بعد تلك الأعمال التعدينية، مشدداً على ضرورة إلزام المقاولين بإعادة الوضع إلى طبيعته بعد الانتهاء من أعمال الطرق، وعدم التأثير على المواقع والمناطق السياحية والآثار، سواء كانت قصوراً أو دُوراً أو برك مياه، مؤكداً على أن هناك بعض الآثار التي بقيت على مدى ثلاثين وأربعين عاماً نتيجة تجريف المقاولين ومازالت باقية على وضعها. لصوص «منشارك والجبل» قطّعوا الأشجار وتسابقوا على نقلها وتخزينها وبيعها «عيني عينك»! جيلان مختلفان وأضاف أن هناك برنامجا رائعا تتبناه الهيئة العليا للسياحة والآثار وهو برنامج: «لا تترك أثراً»، وهو عبارة عن برنامج توعوي تطبيقي، له سبع مبادئ، ولو تم تفعيله وأصبح هوية سياحية، فإن الإفادة ستعم الجميع، ودون أن يترك أثراً على البيئة، موضحاً أن هذه العناصر السبعة أضاف لها الأخوة في المملكة العنصر الثامن، وهو عنصر المحافظة على الموارد المائية والتقليل من الهدر المائي، باعتبار أننا منطقة صحراوية، ذاكراً أنه من خلال الملاحظة والدور التوعوي الذي تعمله المواقع الإلكترونية أو الصحافة أو الهيئات المعنية، نجد أن هناك جيلين، الأول أصبح لديه وعي؛ لأنه أدرك قيمة الصحراء وأدرك قيمة النزهة والرحلات البرية وغيرها، بغض النظر عن الجوانب الاقتصادية الموجودة فيها من خامات وطاقة وغير ذلك، إلاّ أنهم يجدون المتعة أثناء الرحلات، هذا الجيل استوعب وبدأ يتعامل وفق المعطيات الجيدة، مشيراً إلى أن لدينا جيلا صاعدا لم يلحق على شيء من الحملات التوعوية أو التدريب أو التهيئة أو غير ذلك. القضاء على الغطاء النباتي مع غياب الأمطار أسهم في زيادة الجفاف وقلة المراعي طاقة شمسية وتمنى «الربدي» من الجهات المعنية أياً كانت أن يكون هناك برنامج توعوي مستمر ودائم لا ينقطع؛ لكي نواكب الأجيال جيلاً بعد جيل، مؤكداً على أن التوعية ليست موسما أو برنامجا ينتهي بانتهاء فترة الدعم؛ لأن لدينا أجيالا تتعاقب، وكل جيل له حق في عملية التوعية، بل وله دور في بناء وإعادة هذه البيئة التي تُعد فقيرة لكنها جاذبة ورائعة، مضيفاً: «نحن نعلم أن هناك زيادة مضطردة بمتوالية هندسية حول عدد الراغبين بالسياحة الصحراوية والتنزه والخروج للبر، ونجد أن كل جيل يخلف آثاراً من الصعب محوها على الجيل الذي يليه». وعطفاً على استثمار مقومات الصحراء الطبيعية ومنها الطاقة الشمسية التي تُعد طاقة مهدرة في الوقت الحاضر قال «د.الشبعان»: إن «قرية العيينة» بمنطقة الرياض تُعد نموذجاً مثالياً لاستغلال الطاقة الشمسية، وهي تجربة ناجحة، متمنياً لو عممت الفكرة بشكل أوسع وتمت الاستفادة من الطاقة الشمسية في الإضاءة والمتطلبات المنزلية والخدمية، ناصحاً من الإفادة من مياه الأمطار وإن كانت نادرة، وذلك من خلال إنشاء السدود لحفظ مياه الأمطار وتجميعها، لكي تتجه إلى باطن الأرض، وحتى تخزن المياه وتستثمر في الزراعة. رحّالة ياباني ذكر قبل 70 عاماً أنه مر بمناطق غابات داخل المملكة.. أين هي الآن؟ رسائل تسويقية وأوضح «المطرودي» أن الأبحاث والدراسات حينما يتم تبسيطها على شكل رسائل توصل إلى المجتمع سواءً من خلال المدارس أو التجمعات والمحافل، بحيث تصل ك»رسائل تسويقية إعلامية» للحفاظ على البيئة، مؤكداً على أن ذلك سوف يكون من الأسباب التي تساعد على الحفاظ على البيئة الصحراوية من جانب، ومن جانب آخر مساهمة الناس في غرس هذه المبادئ لدى الأجيال القادمة، مشيراً إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار بدأت بتنظيم الرحلات سواءً كانت رحلات بريّة أو كانت رحلات تعتمد على جوانب أخرى مثل تسويقية أو زراعية أو ريفية، ذاكراً أن الهيئة بدأت ترخص الآن لمنظمي رحلات رسميين خاصةً الذين يعملون تحت مظلة الهيئة وتحت التعليمات والتوجيهات والضوابط التي تصدرها، وذلك لضمان سلوك السائح أو الزائر للمناطق البريّة والمنتزهات الطبيعية، وليكون ضمن ضوابط يحكمها قوانين الحفاظ على البيئة بشكل عام. اعتداء بشري وقال «د.المسند»: إن الصحراء في المملكة تقع ضمن نظام بيئي متكامل، إلاّ أنه يعاني من اعتداء بشري، إلى جانب تدخل الإنسان في تغيير ما خلق الله، قال تعالى: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس»، مضيفاً أن المعتدين على هذا النظام من جهات شتى، وربما أنني أجعل الرعي الجائر هو المعتدي الأول والأوسع والأخطر في النظام الصحراوي، كما أن السيارات وما تحدثه من «مسالك» لها وما ينتج عن ذلك من اختلال في التربية، والسياحة البرية وآثارها السلبية والتنمية العمرانية والتنمية الصناعية والتنمية الزراعية، كل هذه الأمور في كفّة والرعي الجائر في كفّة أخرى، مبيناً أن الرعي وفي ظل شح الأمطار والفقر في الغطاء النباتي والأعداد الكبيرة في المواشي جعل الأرض قاحلة وعارية تماماً من الغطاء النباتي، الأمر الذي أثر على نظام المناخ النباتي بشكل سلبي، لافتاً إلى أن للعواصف الرملية الدورية المزعجة تأثير سلبي على الصحراء، إلا أن التدخل البشري عن طريق التوسع في مهنة الرعي، لا تتناسب ولا تتناغم مع النظام البيئي في المملكة، ولا مع النظام المناخي. إيجاد معابر وأوضح «الوابلي» أن شق قناة السويس قد حرم صحراء الجزيرة العربية بشكل نهائي من الحيوانات الفطرية البريّة، ك»الغزلان» و»الأسود» و»النمور» و»حمار الوحش» و»النعام»، التي كانت تهاجر موسمياً من غابات أفريقيا إلى الجزيرة العربية، والتي كانت تمثل امتدادا جغرافيا طبيعيا لأفريقيا عبر صحراء سيناء، مضيفاً أنه من هذا المنطلق يجب أن نضع أيدينا بأيدي الجهات الحكومية للمحافظة على الحياة الفطرية والعمل على إنمائها هذا من جهة، ومن جهة أخرى أتمنى التعمق بالتفكير والدراسة لإعادة التوازن الحيواني الفطري في الجزيرة العربية، بالافادة من المخزون البيئي الهائل في أفريقيا، بالتفاهم مع الأشقاء في مصر، وبإيجاد معابر تحت قناة السويس للسماح بمرور الحيوانات الفطرية من أفريقيا إلى الجزيرة العربية عبر سيناء ومن خلال تلك المعابر. حياة أصيلة وتعليقاً على ما أشار إليه «الوابلي» قال «د.المسند»: إن الحياة الفطرية في المملكة حياة أصيلة ولم تكن منقولة من أفريقيا عبر ممر سيناء بالدرجة الأولى، ولا يعني ذلك أنه لم يكن هناك هجرة، وإنما في الأصل كانت الجزيرة العربية قبل مئات الآلاف من السنوات فيها توطن للحياة الفطرية على مستوى «الأفيال» وعلى مستوى «التماسيح» وعلى مستوى «الجواميس» و»النعام» و»الأسود» وما شابه ذلك، وهذا ثبت من خلال الأعمال الحفرية لعلماء الآثار وعلماء «البيولوجيا» الذين أثبتوا وجود حياة فطرية أصيلة في الجزيرة العربية. وأشار «د.الشبعان» إلى أن صخور «الفدك» الموجودة في «قرية الحائط» بمنطقة حائل تمثل لوحة تعكس البيئة السابقة، حيث رسوم «الوعول» و»القرود» و»النمور»، مضيفاً أنهم في جامعة القصيم لديهم بحث سوف يخرج قريباً عن تلك الثقافة الصحراوية التي حفظتها الرسوم على تلك الصخور، مشيراً إلى أن ذلك ليس بمستغرب إذا عدنا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم القيامة حتى تعود جزيرة العرب مرواجا وأنهارا»، مما يفهم منه أن واقع الجزيرة العربية كان بغير ما هي عليه الآن، بل هناك المروج والأنهار، وسوف تعود إلى ذلك الوضع، ذاكراً أن ما يوجد من «قواقع» في بعض «الجداول المائية» و»الكبريت» في بعض الآبار، يعكس لنا الماضي الذي كان في جزيرة العرب. تسييج بعض الفياض وحول توجه وزارة الزراعة للحفاظ والإكثار من الغطاء النباتي قال: «م.اليوسف»: إن الوزارة يهمها موضوع الصحراء بشكل كبير، بل ولديها خطط وجهود بالتنسيق مع وزارة الداخلية لإيجاد محميات لزيادة الغطاء النباتي، من خلال تقليل عمليات الرعي الجائر، وكذلك المحافظة على بعض المواقع التي كانت من أهم المصادر في مواقع الرعي، موضحاً أن هناك تعليمات صارمة من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد بإيقاف الاحتطاب ومنع بيع الحطب، بل وهناك عقوبات رادعة تطبق من قبل الوزارة بالتنسيق مع وزارة الداخلية ممثلة بإمارات المناطق والمحافظات والمراكز، مضيفاً: «من هذا المنبر، ومن هذه الندوة يجب أن نستشعر جميعاً أهمية الحفاظ على ثروات هذا الوطن، وأنه يجب أن يكون هناك استشعار وطني واستشعار ديني للمحافظة على هذه المكتسبات»، لافتاً إلى أن لدى وزارة الزراعة بعض الجهود لتسييج بعض المواقع، خاصةً في «الفياض»؛ لمنع دخول السيارات، بحيث يسمح فقط بعملية الرعي، مؤكداً على أن الجهود المبذولة لا توازي الطموحات المطلوبة، وهي ضعيفة جداً، وأنه لو استمر الوضع على هذا الحال، فإننا سوف نفقد الكثير من الغطاء النباتي الذي يُعد نادراً في هذه البلاد. صحراء الربع الخالي «سلة ثراء» مدفونة! أوضح "عبدالله الوابلي" أنه من الممكن استثمار الصحاري في عدة مجالات، منها توفير المراعي الطبيعية لثروتنا الحيوانية والسياحة البيئية والصناعات المعتمدة على الرمال، ك "إنتاج الزجاج" وكذلك "الألياف الزجاجية"، إضافة إلى "توليد الطاقة النظيفة المتجددة" من الشمس والرياح، مضيفاً: "إذا كانوا يقولون: (غابات الأمازون) تمثل رئة العالم، فأني أرد وأقول إن صحراء الربع الخالي هي السلة الثرية المدفونة"، متمنياً تشجيع ما يسمى بالصناعات المعتمدة على الصحراء، مع تقديم التسهيلات المجزية والمشجعة لمثل هذا النوع من الصناعات؛ لأنها تتسم بالمخاطرة وتحتاج إلى رؤوس أموال كبيرة للاستثمار، مستشهداً بزيارة أحد الخبراء اليابانيين لمنطقة القصيم قبل عدة سنوات حينما سأل عن عدد ما لدينا من مصانع الزجاج في المنطقة ولما علم أن الإجابة سلبية (100%) قال: لو كان عندنا مثل هذه الصحاري وهذه التلال لتم عمل عشرات المصانع على هذه التلال وهذه الكثبان الرملية. وقال "إبراهيم الربدي": المملكة تُعد من الصحاري الكبرى على مستوى العالم ولها جوانب جذب ومميزات نسبية رائعة، مضيفاً أن بيئات المملكة لها أيضاً نوع من الجذب والتميز، ولو استشعرنا ثلاث مناطق في المملكة ربما تكون من أميز ما يستهوي الزائر أو السائح عالمياً وهي: "الربع الخالي"، و"الدهناء"، و"النفود الكبير"، فضلاً عن باقي المناطق الأخرى التي تُعد ذات جاذبية أكثر في أوقات الربيع، مشيراً إلى أن الصحراء ليست فقط نزهة بل هي "خامات"، و"آثار"، و"استشفاء"، وكذلك "مراعي"، و"طاقة"، وهي إلى جانب ذلك "متحف مفتوح" لمن أراد أن ينقب عن تاريخ هذه الجزيرة، ذاكراً أن كل فئة من فئات المجتمع تستطيع الإفادة القصوى من دون أن تضر بموارد الصحراء. «أحواش الماشية» داخل المدن..! أكد "د.عبدالله المسند" على أن حياتنا قائمة بشكل كبير على الاستيراد من الخارج، متسائلاً: لماذا لا نستورد اللحوم الحمراء من مزارع كبرى تابعة للمملكة في أفريقيا وفي آسيا؟، وتكون وفق النكهة المعروفة التي يرغب بها متعاطو اللحوم الحمراء، مضيفاً أننا نشاهد في العقد الأخير كثرة "الأحواش" وإحاطتها بالمدن والمحافظات بشكل مزعج، ليس فقط على الغطاء النباتي، بل حتى على الواجهة الجمالية لصحراء المملكة ومداخل المدن والمحافظات، ولنا في ذلك مثال على مدخل العاصمة الشمالي والشرقي وغيرها من المدن، موضحاً أن ذلك أثار قضية أخرى وهي قضية "أزمة الشعير"، وأيضاً أثار لنا قضية "التوسع في زراعة محاصيل الأعلاف"، الأمر الذي أثر على مخزون المياه الجوفية، ذاكراً أن مهنة الرعي والتوسع في تربية المواشي قادتنا إلى سلبيات متعددة وتجاوزت المهنة إلى أمور أخرى، داعياً إلى تدخل عاجل وتدخل جراحي لتصحيح هذا المسار وهذا المرض في هذا الكيان البيئي عن طريق "الاستزراع" الواسع، كما هو معمول به في دولة الإمارت العربية المتحدة وفي الأردن، وكذلك التجربة المصرية، والتجربة العالمية في الصين، وإلاّ سوف ننال من هذا الاعتداء حياة غير مستقرة، متمثلة في الزحف السريع للكثبان الرملية، بالإضافة إلى كثرة العواصف الرملية، ومن ثم يصبح الغطاء النباتي أثراً بعد عين، مشيراً إلى أن الأهمية تتطلب الحد من تربية المواشي، إلى جانب نقل المشروعات الكبرى إلى خارج الحدود. المشاركون في الندوة د.جاسر الحربش - المدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بالقصيم د.أحمد الشبعان - أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم د.عبدالله المسند - أستاذ الجغرافيا المناخية المساعد بجامعة القصيم م محمد اليوسف - مدير عام الزراعة بمنطقة القصيم إبراهيم الربدي - رئيس المجلس البلدي لأمانة منطقة القصيم محمد المطرودي- أخصائي تخطيط الهيئة العامة للسياحة والآثار بالقصيم عبدالله الوابلي - رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس منطقة القصيم وعضو صندوق التنمية الزراعية