إن من ينشد الأمن والاستقرار في العراق، فعليه أن يساهم مساهمة إيجابية في تطوير نظام الشراكة السياسية بين جميع الأطراف والمكونات.. فالعراق بصرف النظر عن مفهوم الأكثرية والأقلية العددية، لا يحكم من قبل طائفة واحدة .. فالعراق لا يحكم من السنة وحدهم، وأي رهان من قبل بعض أطرافهم لتوظيف العمليات الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون ضد الشعب العراقي في العملية السياسية، فإنه يقود العراق إلى المحرقة يصعب على المتابع للشؤون السياسية في المنطقة، والتطورات المتلاحقة على أكثر من صعيد ومستوى، أن يتجاهل ما يجري من أحداث وتطورات في المشهد العراقي .. حيث ازدياد عمليات القتل والتفجير والاحتقانات الطائفية ودخول العملية السياسية في نفق الأزمات السياسية المتلاحقة، والتي تعكس بشكل أو بآخر، طبيعة المآزق التي تواجه التجربة السياسية الجديدة في العراق.. ونود في هذا المقال أن نطل على المشهد العراقي وتطوراته الأخيرة، لأننا نعتقد أن ما يجري في العراق، ليس بعيدا عن ما يجري في كل المنطقة .. 1-إن طبيعة المتغيرات السياسية التي تجري في المنطقة اليوم، تلقي بظلها الثقيل على الوضع الداخلي في العراق .. بمعنى أن تصاعد عمليات القتل والتفجير ووجود اختراقات أمنية كبرى في الوضع العراقي له سببان رئيسيان : السبب الداخلي المتعلق بإخفاقات الوضع السياسي العراقي، وتباين الخيارات السياسية لدى القوى السياسية المشتركة في العملية السياسية، ووجود رهانات سياسية كبرى على طبيعة الأحداث السياسية التي تجري في المنطقة ومآلاتها السياسية والإستراتيجية .. والسبب الإقليمي المتعلق بانعكاسات ما يجري في المنطقة وبالذات في الملف السوري، حيث الاصطفافات الطائفية الحادة، وغياب القدرة على نسج رؤية وموقف عراقي موحد تجاه ما يجري في سورية.. وعليه فإن الانهيار الأمني الذي تشهده بعض المحافظات العراقية، وجمود العملية السياسية ووجود إشكاليات مزمنة في مسيرتها، تعود إلى تداخل عميق بين الأزمة العراقية الداخلية والأزمة الإقليمية وانعكاساتها على الحالة العراقية .. لذلك فإن المشهد العراقي بكل أطرافه، سيبقى خاضعا لتأثيرات أزمات المنطقة، لأن العراق اليوم، أشبه ما يكون إلى ساحة أمنية وسياسية مكشوفة، يتم الصراع عليها من قبل اللاعبين الأساسيين في المنطقة.. ولا قدرة لدى العراقيين جميعا، لإنهاء هذه المآزق، إلا بوحدتهم وبناء واقعهم السياسي على توافقات سياسية عميقة بين جميع الأطراف .. والطرف العراقي مهما كانت قوته وعلاقاته وتحالفاته الإقليمية والدولية، الذي يبحث عن انتصارات كاسحة على بقية المكونات والأفرقاء، فإنه لن يحصد إلا المزيد من الأزمات والمآزق.. فالعراق وبعد هذه التجربة المريرة من الصراعات الداخلية والحروب المتنقلة، والقتل والقتل المضاد، والتفجير والتفجير المضاد، لا يحكم على نحو عميق بحيث يسود الاستقرار السياسي العميق، إلا بنظام الشراكة السياسية المتكافئة.. وأي طرف يسعى ويعمل من أجل الاستئثار وتركيز مصادر السلطة والثروة في يديه، فإنه يدشن لمرحلة جديدة من التوترات الأمنية والسياسية والطائفية.. لذلك فإن من ينشد الأمن والاستقرار في العراق، فعليه أن يساهم مساهمة إيجابية في تطوير نظام الشراكة السياسية بين جميع الأطراف والمكونات.. فالعراق بصرف النظر عن مفهوم الأكثرية والأقلية العددية، لا يحكم من قبل طائفة واحدة .. فالعراق لا يحكم من السنة وحدهم، وأي رهان من قبل بعض أطرافهم لتوظيف العمليات الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون ضد الشعب العراقي في العملية السياسية، فإنه يقود العراق إلى المحرقة.. كما لا يحكم العراق من قبل الشيعة وحدهم استنادا إلى أكثريتهم العددية، وأي طرف منهم يسعى في هذا السياق، فإنه يؤسس لمرحلة جديدة من الانقلاب الأمني والسياسي في العراق .. فالعراق الجديد لا يحكم إلا بنظام الشراكة، بحيث لا يشعر أي طرف بالافتئات والمظلومية.. وحتى يترسخ نظام الشراكة السياسية في التجربة العراقية، من الضروري الانتهاء من نظام المحاصصة الطائفية، الذي جمد العراق، وأدخله ويدخله باستمرار في أتون المكابدات والمناكفات، لصالح نظام الأكثرية السياسية.. وهذا بطبيعة الحال يتطلب العمل على بناء كيانات سياسية وطنية، عابرة للمذاهب والقوميات والمحافظات في العراق.. وحدها الكتل السياسية الوطنية التي تضم مختلف الأطياف العراقية، هي القادرة على تفكيك نظام المحاصصة الطائفية، وإدخال العراق في مرحلة جديدة من العمل السياسي الوطني البعيد عن الاصطفافات الطائفية الحادة والبغيضة.. 2-ستبقى أوضاع العراق الأمنية والسياسية هشة ومخترقة من قبل العديد من القوى والأطراف الإقليمية والدولية التي تعبث باستمرار في أمن العراق واستقراره، إذا لم تتم المصالحة السياسية الكبرى بين جميع أطياف المشهد العراقي .. فلا سبيل لأمن العراق واستقراره، إلا ببناء مشروع وطني عراقي متكامل وتوافقي للمصالحة الوطنية، بحيث تشعر جميع الأطراف أنها ليست مضطهدة أو مستهدفة.. لأن هذه المصالحة العميقة، هي القادرة على تفكيك كل الحواضن الاجتماعية والسياسية التي ترعى الإرهاب والإرهابيين.. كما أن هذه المصالحة، هي التي توفر المناخ الاجتماعي والسياسي لنظام المشاركة السياسية، بعيدا عن نزعات الاستئصال والإقصاء أو نزعات الانتصارات الكاسحة.. والمصالحة الوطنية الشاملة، هي التي ترفع الغطاء الأمني والسياسي والديني والاجتماعي، عن كل الوجودات التي تستهدف العراق في أمنه واستقراره.. ونحن ندعو إلى المصالحة الشاملة، ندرك حجم الصعوبات النفسية والاجتماعية والسياسية لهذا المشروع الوطني المهم والحيوي، إلا أن من يبحث عن حكم العراق واستقراره العميق، لا خيار أمامه إلا خيار المصالحة، مهما كانت الصعوبات، ومهما كان حجم الدم المسفوك.. وإن تسوية أعقد المشاكل التي يعاني منها المشهد العراقي اليوم، لا يمكن أن تتم، بدون مصالحة وطنية حقيقية وشاملة، تطوي صفحة الماضي بكل ويلاته ومآسيه، وتوجيه البوصلة الوطنية صوب بناء المستقبل السياسي للعراق بعيدا عن إحن الماضي واستقطابات اللحظة الراهنة.. 3- في كل المراحل والحقب السياسية، كان الشعب العراقي بكل أطرافه وشرائحه، هو من يدفع الثمن من رزقه وأمنه واستقراره وحاجاته وضروراته الحيوية.. وحينما تلاقت إرادته الوطنية في إسقاط نظام الطاغية صدام حسين مع الإرادة الإقليمية والدولية، ثمة أصوات عديدة ارتفعت في العالم العربي، تشنع بالشعب العراقي، وتصفه بأقذع الصفات، وتتهمه بأسوأ الاتهامات.. ولكن وخلال ما ينوف العقد من الزمان، ما كان يعاب عليه الشعب العراقي، أصبح حقيقة شاخصة في الواقع العربي .. فارتفعت الأصوات الدينية والقومية المطالبة بالتدخل الأجنبي في بعض البلدان العربية، وتم التعامل مع هذه الأصوات بوصفها ضرورة دينية وقومية.. ولم يشنع أحد على هذه الشخصيات أو الشعوب التي طالبت الأجنبي بالتدخل في شؤونها ومعادلاتها الداخلية، أما الشعب العراقي فإنه خضع لظلامة تاريخية جديدة، لا زال يدفع ثمنها من كرامته وأمنه واستقراره .. فإذا كان استدعاء الأجنبي جريمة دينية وقومية، فثمة أطراف عربية عديدة ارتكبت هذه الجريمة، أما الكيل بمكيالين، فإنه يساهم في تزييف الوعي وقلب الحقائق.. وعلى كل حال ما نود أن نقوله : أن الشعب العراقي بكل أطرافه، يستحق منا نحن العرب مقاربة جديدة لأوضاعه وأحواله .. فالتواصل معه والانفتاح عليه، وشد أزره في محنه، كلها عناوين أضحت ضرورة قومية، لتعزيز النسيج القومي العربي، وإنهاء حقب سوء الظن وإطلاق التهم جزافا على شعوب بأسرها.. لهذا تعالوا جميعا نعد إلى العراق، وننفتح ونتواصل مع شعبه، وننهِ سنوات الجفاء.. ومن الضروري في هذا السياق، أن لا يكون الدم العراقي رخيصا، لذلك ثمة ضرورة قومية أيضا لرفع الصوت ضد عمليات القتل والتفجير التي تجري بشكل يومي في العراق .. فلا يصح الصمت والتفرج على ما يجري للشعب العراقي .. ومقتضى الشراكة الدينية والقومية والإنسانية، التنديد بعمليات القتل ورفض استخدام السلاح ضد أبناء الشعب العراقي بكل فئاته وأطرافه.. فالشعب العراقي يستحق منا نحن العرب الكثير من الاهتمام والعناية.. لأن مستقبل المنطقة في الكثير من أبعادها، يتوقف على مستقبل الواقع العراقي .. لذلك من يبحث عن تعزيز أمنه واستقراره، فعليه المبادرة الجادة لتعزيز أمن العراق واستقراره، فهو بوابة المنطقة، وعنوان مستقبله القريب والبعيد..