أنحى نائب رئيس الحكومة العراقية الدكتور طارق الهاشمي باللائمة على بعض القوى الإيرانية، التي زعمت أن حقل الفكة النفطي الذي احتل أخيراً متنازع عليه. وقال في حديث ل «عكاظ» إن إيران تغلغلت بذكاء وتخطيط في جميع مرافق الدولة الرسمية والشعبية، وأصبح لها، بمرور الوقت، نفوذ قوي حتى في صناعة القرار، وهي ظاهرة تقلق مضجع العراقيين. واسترسل: «ليست إيران وحدها من أصبح يلعب في مستقبل العراق، هناك دول أخرى». وأردف أن المملكة بلد ذو ثقل دولي وإقليمي، والعراقيون ينظرون إليه بمزيد من الاحترام والتقدير، ونتطلع، حكومة وشعبا، إلى تكريس وتعميق العلاقات والتحاور بما يتفق ورؤى البلدين، ووضع حد لملفات جوهرية تتضمن الإفراج عن السجناء، فإلى ثنايا الحديث: حقل الفكة • لنستهل حديثنا من حيث يقف الوضع الآن في العراق. تعرض حقل الفكة النفطي لاحتلال من قبل إيران، كيف تستوضحون ما حدث؟ القوات الإيرانية التي احتلت الحقل انسحبت كما يعلم الجميع، ونحن نعتبر هذا عدوانا سافرا على السيادة العراقية لا يمكن السكوت عليه إطلاقاً، وهناك تحرك شعبي قوي داخل العراق من قبل كتل وأحزاب لوقف التدخل الإيراني؛ لأن ما تعرض له حقل الفكة النفطي يؤكد من جديد مطامع إيران في الأراضي العراقية وفي ثروات العراق، وانسحاب إيران إلى سواتر ترابية محيطة بالبئر النفطية وإنزال العلم الإيراني لا يكفي. • ولكن، هناك من يتحدث أن هذه البئر متنازع عليها، إيران تتحدث أنها داخل حدودها؟ هذه مزاعم كاذبة، البئر الرابعة تقع ضمن الأراضي العراقية، وعلى هذا الأساس أوجه ندائي إلى إيران، وأذكرها بما تقوله من أنها مع العراق وأنها تدعم العملية السياسية، إذا كانت إيران تطمح إلى علاقات جيدة مع العراق لتكف أذاها عنه. • كيف كانت ردود أفعال الشارع العراقي في هذا الصدد؟ التصرف الإيراني أثار مشاعر العراقيين جميعا، خصوصا في الفرات الأوسط وفي الجنوب، وشاهد الجميع موقف أهل الجنوب، لقد أثبتوا فعلا أنهم على قدر المسؤولية، وأن الهوية الوطنية تغلب على كل انتماء آخر، العدوان على الفكة اليوم أشعل الروح الوطنية عند العراقيين، واستبان أن الخطر خارجي وليس داخليا. • ما الذي اتخذ عراقياً لوقف مثل هذا التدخل مستقبلا؟ أجدد التأكيد نيابة عن كل عراقي أننا لن نقبل، تحت أي ظرف من الظروف، أية مساومة تتعلق بالسيادة. الاضطراب اليوم وعدم وجود علاقات سوية بين العراقيين أنفسهم يغري الآخرين، ويجعل أراضي العراق عرضة للطمع، وهذه دعوة للجميع أن يعيدوا حساباتهم إذ أن الجميع مستهدف، ووحدة صفنا هي التي ستردع أي طامع من أن يمد يده على أرضنا وثرواتنا وخيراتنا. على إيران ألا تنقل مشاكلها الداخلية إلى العراق، ندعوها أن تثبت مصداقيتها، وأنها فعلا مع العراق وشعبه ومع العملية السياسية، وألا تعمل على زعزعة استقرار العراق في هذه الظروف الصعبة. أجدد الدعوة لعقلاء إيران أن يتحسبوا لنتائج مثل هذا الفعل، وأن يتداركوه على عجل بالانسحاب من الأراضي العراقية، ولتكن هذه آخر الخطايا التي ترتكبها إيران في حق العراق. • العراق لا يزال يعاني من تفاقم الوضع، الكثير من الأرواح أزهقت بسبب أعمال التفجير والتدمير.. إلى أين يتجه البلد الشقيق؟ الهجمات الآثمة على بغداد خلال الأشهر الأربعة الماضية لن تزيدنا إلا عزماً وتصميماً على استئصال شأفة الإرهاب، الجميع داخل العراق أدرك أن البلد مستهدف في إنسانه وأمنه، وليس أمامنا سوى المضي إلى نهاية الشوط مهما كلف الثمن. • لكن المراقبين يؤكدون أن مثل هذه التصريحات لا تكفي، الأمر يحتاج حلولا عملية؟ مهمتنا في تشكيل العراق الحديث صعبة، لكنها ليست مستحيلة. نحن على دراية بمواطن الضعف والخلل، ولدينا القدرة على تجاوزها، وربما يستغرق ذلك بعض الزمن ومزيداً من الآلام والتضحيات، الوضع الأمني أفضل مما كان عليه في السنوات الماضية، وما حصل من هجمات لن يغير هذه القناعة ولن تزعزع الاستقرار. • تحدثتم صراحة أن رئيس الوزراء العراقي لا يطلعكم على الملف الأمني، ولا يضعكم في الصورة الكاملة بشأن الموقف، لكنكم لم توضحوا الأسباب هل يعود ذلك لأسباب طائفية، أم حزبية، أم جزء من عدم التجانس بين الرئاسة ورئاسة الوزراء؟ السيد رئيس الوزراء له طريقته الخاصة في الإدارة، وهي مخالفة للنهج الذي اعتمده مجلس الرئاسة في العمل بروح الفريق، لذلك تحقق انسجام متميز بين أعضائه منذ البداية بينما فشل مشروع المجلس التنفيذي (مجلس الرئاسة مع رئيس الوزراء)، لأن رئيس الوزراء العراقي عجز عن العمل مع مجلس رئاسة الجمهورية رغم أن المادة 110 من الدستور تلزمه بذلك؛ باعتبار أن المجلسين (الرئاسة والوزراء) طرفا السلطة التنفيذية الاتحادية. المقاعد الانتخابية • هل ترون أن التعديل الأخير حقق مطالبكم في هذا الشأن بخصوص المهجرين والعراقيين في الخارج، وهل أنتم راضون عن التغيير الذي طرأ على قانون الانتخابات بناء على مطالبكم؟ نعم، لقد أنصف التعديل الأخير كل العراقيين المقيمين والمهجرين في الخارج، وهذا ما كنت أسعى لتحقيقه منذ البداية، لم يعد ثمة فرق بين العراقي في الخارج والعراقي في الداخل، ليس من حيث ممارسة الحق الانتخابي في إطار القائمة المفتوحة فقط، بل أيضاً من خلال احتساب قيمة الصوت، إذ أصبحت القيمة متكافئة. واليوم يستطيع العراقي المقيم في الخارج، أيا كان موقعه أن يصوت حاله كحال العراقي في الداخل، للقائمة التي يرغب وللمحافظة التي ينتمي إليها، كما أنصف القانون إخواننا المسيحيين وأصبحت لهم دائرة انتخابية واحدة مستقلة. ومع ذلك، فإن مجلس النواب لم يتعاطف مع مقترحي بإنصاف القوائم الانتخابية الصغيرة، من أجل تكريس التعددية السياسية، إلا أنني حركت ساكناً ونبهت إلى خطورة هيمنة اللاعبين الكبار على المشهد السياسي، وسيبقى هذا الموضوع معلقاً، وبالتأكيد سوف يثار في المستقبل عندما يجري تعديل قانون الانتخابات ربما في الدورة النيابية المرتقبة. وهذا يعني أن القانون بوضعه الحالي ما زال في حاجة إلى تصويب، رغم الإنجاز الذي حققه بصدد عراقيي الخارج، الأغراض التي حققها نقض القانون ينبغي أن تحرك الهمم والعزائم خصوصاً بالنسبة للعراقيين المقيمين في الخارج، وأن تدفعهم لمشاركة فاعلة وعلى نطاق واسع في الانتخابات المقبلة في السابع من آذار. ملف السجناء • لا تزال السجون العراقية ممتلئة بالسجناء دون محاكمات، من بينهم سجناء من دول عدة، أسأل هنا عن السجناء من السعوديين كم عددهم، ما هي ضمانات المحاكمات العادلة لا سيما أنكم زرتم السجون والتقيتم المساجين؟ لدينا مشكلة تتعلق بحقوق الإنسان، ولا أنكر هي مشكلة معقدة ويتورط فيها أكثر من طرف أو سلطة، ونحن نتابع هذا الملف بمنتهى الحرص بالتعاون مع جميع المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في الداخل والخارج. هناك جهود تبذل لمعالجة كل التجاوزات والحيلولة دون تكرارها ونتمنى أن نحقق شيئا إيجابيا. أعلم أن هناك مسجونين من الجنسيات العربية الذين دخلوا العراق بطريقة غير نظامية لأغراض عدة، لكن لا أعلم بالضبط عدد السعوديين المسجونين في العراق، كما أن هناك عراقيين مسجونين لدى المملكة، والعراقيون ينظرون أيضاً بقلق إلى مصيرهم، لذلك لا بد من فتح المزيد من قنوات الحوار بين البلدين وأوصي بتفعيل التعاون القضائي في أسرع وقت ممكن. • كيف تقيمون علاقة العراق الآن بدول الجوار، وخصوصاً المملكة العربية السعودية، وكيف يمكن تحقيق الأمن الإقليمي في المنطقة لا سيما أن العراق لا يزال في معزل عن الدول العربية؟ بشكل عام، علاقاتنا مع دول الجوار ليست بالمستوى المطلوب، وهناك أسباب عديدة وراء ذلك، رغم أن العراق يحرص على علاقات طبيعية متكافئة مع هذه الدول، إلا أن أغلب هذه الدول تتدخل في شأنه الداخلي لمبررات وذرائع شتى. • وهناك إشارات واضحة أن إيران هي من يرسم سياسات هذا البلد، ويتحكم في شؤونه الداخلية؟ إيران نعم تغلغلت بذكاء وتخطيط في جميع مرافق الدولة الرسمية والشعبية، وأصبح لها بمرور الوقت نفوذ قوي حتى في صناعة القرار، وهي ظاهرة تزعج العراقيين جداً. وهم يعملون بجد من أجل تصويب العلاقة مع إيران وإلزامها باحترام الجيرة وإيقاف التدخل. لكن للحقيقة ليست إيران من يتدخل فقط في الشأن العراقي، العراق أصبح ساحة لتسوية حسابات أطراف أخرى، وقتال بالنيابة. •وماذا عن علاقتكم بالمملكة ؟ هناك بعثة دبلوماسية عراقية في الرياضوجدة، والمملكة دولة شقيقة عزيزة على العراقيين، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي والديني على مختلف الأصعدة. المملكة بلد مهم، والعراقيون ينظرون إليه بمزيد من الاحترام، إيمانا منا بأهمية الدور العربي الذي تقوم به المملكة. • هل ترون أن الانتخابات المقبلة التي تأجلت بسبب نقض قانون الانتخابات وتوزيع المقاعد ستكون عادلة وشفافة؟ لا ضمانات، ولكننا سنجتهد أن تكون هكذا، والمجتمع الدولي وخصوصاً العربي يمكن أن يعين في هذا المجال. الطائفة السنية • ألا تزال الطائفة السنية تعاني من التهميش، وكيف ستكون المرحلة المقبلة من الانتخابات، هل تتوقعون أن تعود الأمور إلى التوازن لا سيما أن العرب السنة في العراق عدد غير قليل؟ نحن اليوم نمثل العراق بأكمله، وتجاوزنا الفتنة الطائفية، ونعمل على تصحيح آثارها وترسباتها التي ما زالت قائمة في مختلف مؤسسات الدولة مع الأسف، والمهمة ليست سهلة، ولا خيار أمامنا سوى أن نبني العراق باعتباره دولة مواطنة وليس دولة مكونات وعلينا أن نكافح ونصبر. أحكام الإعدام • هناك مطالبات من فئات عراقية بتنفيذ حكم الإعدام في بقية رموز النظام السابق، هل ستصادق رئاسة الجمهورية على ذلك؟ لا يمكن أن نرسم سياسة عامة في هذا المجال، ونتعامل مع الأحكام الصادرة على أساس دراسة كل حالة على حدة، وفي إطار مجلس الرئاسة لدينا توافق سياسي في هذا المجال. • يتساءل الكثير من العراقيين عن أبرز ما قدمه طارق الهاشمي خلال السنوات الماضية؟ خلال السنوات الأربع الماضية تركت بصمات واضحة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها، وإنجازات لا يمكن استيعابها في بضعة سطور، لقد ساهمت في تطوير علاقات العراق الخارجية مع مختلف دول العالم خصوصاً العربية منها، وقربت من وجهات النظر، كما ساهمت بشكل جاد في بلورة السياسة الاقتصادية المناسبة لظرف العراق من خلال «المنتدى الاقتصادي» الذي أشرفت عليه بنفسي وأصدرت في ختامه رزمة من التوصيات المهمة في مختلف الجوانب الاقتصادية والمالية والاستثمارية وغيرها. أما على الصعيد العسكري والأمني، فإن موقفي المبدئي من تشكيل قوات مسلحة وأجهزة أمنية وطنية الولاء مهنية الأداء، تميزني عن بقية القادة السياسيين، وأنا لم أكتف بذلك نظرياً بل سعيت على مختلف الأصعدة من أجل تأهيل هذه القوات بأفضل طريقة ممكنة. وعلى صعيد الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة، رغم اعتراض وتحفظ البعض عليها، فأنا أعتبرها وثيقة رسمية تلزم الولاياتالمتحدةالأمريكية بجدولة انسحاب قواتها من العراق، وقد ساهمت في صياغة البنود ذات العلاقة بل ذهبت أكثر من ذلك عندما فرضت شرط الاستفتاء الشعبي ووثيقة الإصلاح، وهي إنجازات اعتبرها متميزة ما زالت تنتظر التنفيذ. لقد بذلت جهدا حقيقياً في دعم مشروع المصالحة الوطنية وتوسيع دائرة المشاركين في العملية السياسية، ولولا موقف سلبي معارض للمصالحة من أطراف نافذة في السلطة لكان العراق اليوم على خير. الشراكة مع تركيا • التقيتم قبل أشهر رئيس الوزراء التركي.. ما الذي تمخض عن هذا اللقاء لا سيما أن هناك أكراداً في شمال العراق؟ التقيت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، واقترحت عليه أن يكون بين العراق وتركيا شراكة استثمارية في حوض الفرات لشركات تركية زراعية، صناعية وإروائية، ولكن بأيد عراقية تتدرب للعمل في أراضيها تنهي لنا البطالة في المنطقة، وتنعش الزراعة وصناعة التمور وتعليب الأطعمة وغيرها من الفوائد التي تنعش جنوبنا، دعما لسلتنا الغذائية العراقية لنعود إلى أكل ما يزرعه أهلنا لا ما نستورده عبر الحدود، وبالتالي سيكون على تركيا ضخ المزيد من الماء إلى الفرات لتنجح مشاريعها فنزرع ونرتوي ونعيش بكرامة دون الخوف من ترددات في المناسيب.