لا يمكن لأحد أن يعتبر الشتائم الهجائية التي تطلق بين الحين والآخر مجرد مواقف أو أفكار، بل هي نزعات غير أخلاقية تكون مرتبطة بسياق أيديولوجي معين، وتكون أحياناً أخرى مرتبطة بتربية شوارعية، وقد تجتمع هذه وتلك. المجتمع بطبيعته فضولي وحين اكتشف مواقع التواصل الاجتماعي حدث الانفجار، بالضبط كالقدر المكتوم الذي يُفتح فجأة فينفجر بأعلى قوة، امتثالاً للقاعدة الفيزيائية: الضغط يولد الانفجار. الذي يجري حالياً بين الشيخ عيسى الغيث وخصومه هو تطور في رؤيتنا لمواقع التواصل هذه، في الماضي كنا نتغاضى لأن المجتمع للتو اكتشف هذه الصرعات لكن بعد مرور سنوات عليها يفترض أن الموضوع الأخلاقي صار أكثر تطوراً ورقياً. الشيخ الغيث قال إنه يريد أن يعلّق الجرس ويسنّ سنة جديدة، وحسناً فعل فأعراض الناس ليست لعبة، كما أن لدينا أنظمة رادعة لابد من تفعيلها، ولو أن كل مشتوم سكت لتعالت الصيحات والصرخات والهتافات مع كل معركة فكرية. من حق الغيث أن يضرب بيد القانون من يسيء إليه، ويعجبني أنه يمهل من شتمه ويعطيه وقتاً للاعتذار حتى لا يكون الضرب بالقانون تصيداً للزلات وإنما انتصار للحقوق وصيانة للذات. المشكلة أن الشتائم التي جاءت ضده كانت من أناس ينتسبون إلى التيارات الإسلامية، والمفترض بهم أن يكونوا قدوة للمجتمع، لكن يا للأسف نجدهم يتساهلون بالاعتداء على الناس، وأكثر من ذلك ظنهم أنهم ينتصرون للدين بالإسفاف! مقاضاة من يتجاوزون الاختلاف الموضوعي إلى الشخصنة والاتهامات الشنيعة والسباب مطلب لردع هذا الانفلات. النقد شيء والتجريح شيء آخر مختلف تماماً. ضع من تنتقده في حيّز الفكر ولا تضعه في حيّز الشخص. الغيث رجل فاضل وعالم جليل وقد سعدت باستضافته في برنامج "إضاءات" وكان ومازال نعم الرجل خلقاً وفضلاً. وهو سيسن سنة حميدة بفعلته هذه، تجعل من يطلق الكلام على عواهنه يتريث قبل أن يظن وسائل التواصل الاجتماعي سوقا للشتائم، وشارعا للسباب! بآخر السطر، لابد أن تكون الأنظمة عامل تربية وتأديب وردع لمن فاتتهم مراحل التربية الحسنة فأصبحوا عالة على المجتمع، بألسنتهم السليطة، أو بأحكامهم المعلبة!