أن تنتظر الحدث ليس كما تحيا انبثاقه على أرض الواقع، فقد مضت لحظة فرحة إعلان القرار، وحانت اليوم بهجة تطبيقه، بتمثيل عضوات مجلس الشورى الثلاثين المؤهلات بالعلم والمعرفة والكفاءة والجدارة ليطبقن التمكين الذي تستحقه المرأة السعودية بمشاركة كاملة العضوية مع إخوانهن الرجال سواء بسواء، وحُُقَّ للتاريخ في لحظة الحسم التاريخية هذه أن يسجل صفحة غاية في النقاء والصفاء تضاف لسيرة الملك المجدد الصالح المبارك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وأطال عمره ووفقه لكل خير. رفض تهميش المرأة الذي أعلنه القرار الملكي يحمّل المؤسسات التربوية والتوعوية والمنبرية وقبل ذلك وبعده وأهمه «القانونية»مسؤولية كبيرة بالقيام بأمانة النقد والتحديث والإصلاح، وإعادة النظر في التمايز بين النظرية والممارسة، فلم يعد متقبلاً ترديد شعار«الإسلام كرّم المرأة» في حين تصادر أبسط صور التكريم لحريتها وخياراتها لازلت أذكر كلمته - حفظه الله -عن التحديث المتوازن عندما أعلن قبل مايزيد على العام عن قراره؛ عضوية المرأة في مجلس الشورى، ومشاركتها في المجالس البلدية ترشيحاً وانتخاباً في عبارة بليغة تتناول مفهوم التحديث الصحيح "إن التحديث المتوازن والمتفق مع قيمنا الإسلامية التي تصان فيها الحقوق مطلب هام في عصر لامكان فيه للمتخاذلين والمترددين" فمقولته- أيده الله- هذه مؤشر تغيير شامل كان يفترض بالمسؤولين ترسيخ روحها في بنية النظام، ومؤسسات المجتمع، وهيكلة الخطط القادمة، فيبدأ تغيير الأنظمة والسياسات المصادمة للقرار، للنهوض بعملية التصحيح الواثق، لكننا للأسف لم نجد ذلك لا من المؤسسات التربوية ولا القانونية، بل بالعكس؛ فبعضها زاد في التضييق على المرأة، بدل أن يعي دوره تجاه مرحلة التمكين الكامل القادمة بعد القرار الواضح والصريح والجاد، ناهيك عن غياب شبه تام لدور المؤسسات والشركات ورجال الأعمال المشاركين في التنمية والاقتصاد في تفعيل دور المرأة وتوسيع دائرة مشاركتها التنموية. إدراكه حفظه الله أن السعي لتحقيق التنمية الإنسانية المنفتحة على الحق والعدل والمساواة بأنها المشروع الإصلاحي العظيم لنهضة إنسان الأوطان والضامن الأكبر للاستقرار الأمني والسياسي جعله لايألو جهداً في دعم دور المرأة التنموي في ظل الشريعة السمحة بما وهب الله الإنسان من كرامة وإنسانية، مستمداً تلك الرؤية الواعية بالإنسان من منهج القرآن الكريم الذي تناولها بمنتهى التكامل والتماثل، وبمسؤولية مشتركة تتغيا الولاية حسب الكفاءة البعضية بين الجنسين"والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" ولاية إنسانية تقدس الحقوق وتزهق خزعبلات الإرث الذكوري العنصري، بما يمثل هتكاً مشروعاً لحجج بائسة وتابوات عبثية طالما وظّفها أصحاب المصالح الذكورية لتغذية نزوعاتهم الإقصائية تجاه المرأة، مصورين جهدهم التآمري كمقدس ديني، وهم في الحقيقة يمارسون منطق الاستبداد ويدافعون عن وجودهم ومصالحهم التي تستلزم التأبيد على السائد وتنميط دور المرأة الذي يناسب شهواتهم ومصالحهم. إن رفض تهميش المرأة الذي أعلنه القرار الملكي يحمّل المؤسسات التربوية والتوعوية والمنبرية وقبل ذلك وبعده وأهمه"القانونية"مسؤولية كبيرة بالقيام بأمانة النقد والتحديث والإصلاح، وإعادة النظر في التمايز بين النظرية والممارسة، فلم يعد متقبلاً ترديد شعار"الإسلام كرّم المرأة" في حين تصادر أبسط صور التكريم لحريتها وخياراتها، وحقها في تولي زمام أمورها بنفسها باعتبارها مواطناً من الدرجة الأولى. لذلك يعد تمثيل المرأة في مجلس الشورى نقلة تاريخية حقوقية نوعية توازي حجم المتغيرات الراهنة، وتتطلب تجديد الوعي المتصالح مع المصالح، فالمصالح بطبعها متحركة؛ متغيرة ومتحوّلة ومتطوّرة، ومايصلح لزمن ما قد تجري المصلحة بضده في زمن آخر، وهو أمر تقره طبيعة البشر والواقع والأديان، والأمر يتطلب بذل جهد مكافئ لمستوى قرار يمثل نقلة نوعية على أعلى المستويات، وتحريك الدور شبه المجمّد للتعليم والمؤسسات الحقوقية والإعلام لتأثيث أرضية ثابتة تنبذ الجمود السياسي والاجتماعي تجاه المرأة، وتتبنى قيم الحرية والمساواة والحقوق المدنية بأمانة ونزاهة، وتمارس دور المراجعة والتصحيح والتغيير باستمرار.. من أبرز تمثلات تلك النقلة التاريخية أن نقرأ في دراسة حديثة للأسكوا لعام 2011 بأن السعودية تحتل الرقم صفر في نسبة تمثيل المرأة في البرلمان، وإذا بها في بداية 2013 تقفز إلى 20%، مايمكن أن يمثل نسبة كوتا جيدة فيما لو ثبت العدد بحيث يقبل الزيادة لا النقصان، وبالتالي يعد الأمر قفزة مهولة تبهج أهل المهج السليمة، في الوقت الذي تغيظ سقيمها. لذلك يكاد يجزم الغالبية أن عضوية المرأة الكاملة في مجلس الشورى وبنسبة لا تقل عن 20% تمثل قفزة تاريخية نوعية هائلة، رغم اختلاف القراءة لمفهوم القفزة في المعنى العام والتاريخي، إلا أن مايهمنا هو الرأي المبتهج الذي يعتبرها اختصاراً لخطوات كانت ستكون جد بطيئة وهي تمارس تدرجاتها وتراجعاتها، فهذا القرار الواضح والصريح يطرح كل التأني المذموم بشأن حقوق المرأة، وبالتالي يتطلب النهوض بحقوقها بما يساوي قيمته ومدلوله. وللتفهم الحقوقي الشامل لمعنى عضوية المرأة في مجلس الشورى ارتباط وثيق بأهم معايير الجودة وهو معيار الانتاجية، والانتاجية لايمكن أن تقاس بمقدار ما ستكسبه المرأة بالذات من دخولها للمجلس كمكاسب نوعية خاصة لبنات جنسها إلا على سبيل أنها تدخل ضمن الفئات المهمشة، لكن المراهنة الحقيقية أن تعمل من خلال المجلس ومواده التي تتيح لها المشاركة والتمكين من تعديل نظام قائم أو سن آخر بديل من خلال ما نصت عليه المادة الثالثة والعشرون من نظام المجلس، فتقوم بدورها كحقوقية مدافعة عن كل الفئات المهمشة ورائدة تطوير إنساني شامل، وناهضة بمعايير الشراكة المجتمعية من خلال تبني قضايا عامة كالبطالة والفقر وحق توفير الحياة الكريمة للمواطنين على سبيل المساواة التامة، وأن تجند جهودها لإزالة العنصرية، وإحلال المواطنة بمضامينها المؤهلة لإنسان الوطن المشارك في الانتماء والتنمية والنماء، فإحياء الحس الإنساني وتأسيس بنية قانونية للمحاسبة والمراقبة هو المطلب الذي لايصح أن يغيب عن وجدان عضوة الشورى في كل اللجان التي ستشترك فيها والمواضيع التي ستقترح بنودها إما كتعديل أو تغيير خاصة في القضايا التي غيّب عنها التنظم القانوني ولا زالت تتلمس الحلول في الارتجال العشوائي التعيس. وبحسب الأخبار المعتمدة فقد "فتح التعديل الملكي للمادة الثانية والعشرين من لائحة مجلس الشورى الباب أمام" المرأة "صاحبة العضوية الكاملة، لتشارك في لجان المجلس الثلاث عشرة إضافة لمجموعات اللجان البرلمانية.. وبناء عليه يحق لها "عضوية لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية التي تدرس مايتعلق بالمجلس الأعلى للدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للأوقاف، ووزارة العدل، وديوان المظالم، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وهيئة كبار العلماء، والرئاسة العامة لإدارة البحوث العملية والإفتاء، والرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهيئة التحقيق والادعاء العام، ودراسة الموضوعات والأنظمة واللوائح ذات العلاقة بالجوانب الإسلامية، والقضائية والحج والعمرة والزيارة (ما يتعلق منها بالجانب الشرعي)، والأنظمة ذات العلاقة المباشرة بالجوانب الإسلامية والقضائية، والقضاء والمحاكم، والتحقيق والادعاء العام، والتعديلات أو الإضافات على الأنظمة أو اللوائح ذات العلاقة بالجانب الشرعي والقضائي" هذه إحدى اللجان التي ستشارك فيها كمثال. ومثل هذا التنظيم الجزئي للائحة التنظيمية الداخلية لمجلس الشورى يلزم بالانفتاح على كل المجالات التي سيكون لعضوية المرأة دور فيها، بما يتطلب بالدرجة الأولى إصلاح الأنظمة المتعثرة في كل مجالات الحياة، لا سيما في مجاليْ"التعليم والقضاء"، فما لم يتقدم التعليم بشكل يوازن بين معطياته ومخرجاته، ويضع باعتباره التواجد النسوي العام، وما لم تُزل المعوقات القضائية تجاه حقوق المرأة في المرصد الحقوقي الأهم وهو"القضاء" بحيث يتصدر قائمة التغيير والتحديث بشكل يعيد التكوين والرؤية ويتسلم قيادة الوجهة التصحيحية تجاه المرأة بقياس واحد أصيل؛ أنها "إنسان كامل الأهلية، ومواطن من الدرجة الأولى" فإن المجال سيواجه عقبات كأداء لا سبيل إلى إزاحتها ومواصلة عجلة التقدم والتحديث والعصرنة، وهو ما يجب أن تحرص العضوة على استنطاق جذوره التأصيلية ونقض أساسات التهميش والانتقاص والدونية التي هي ألزم بدايات المشاركة الفاعلة، فترفض العنف الموجه لذاتها أولاً، وذلك بتنقية ذهنها من شوائب التابوات والحجب، وإزالة كل مظاهر الخوف من الرجل وتخويفه، مؤكدة للجميع أن افتراضاً ثابتاً في متحول متواصل هو قمة الجهل بالإنسان والواقع، وأن تنزع من عقلها الباطن رغبتها بأن تكون "ناظرة غير منظورة"، وهو ما يفرضه عليها أصحاب أجندات التشدد والتنطع، ليلبسوا الحق بالباطل، ويبخسوا الخطوات العملية لتحسين أوضاعها ونيل حقوقها، وحقها من الحظوة والتمكين. تنتظر عضوة الشورى ملفات ساخنة كالمطالبة بتقنين الشريعة، ومدونة أحوال الأسرة، وسن قوانين لمكافحة التحرش والعنف ضد الفئات المهمشة والضعيفة، والعمل على تقنين منع تزويج القاصرات الذي علاه التراب في أدراج المجلس، وغيرها كثير.. وقبل الختام أهنئ جميع العضوات القديرات بالثقة الملكية الكريمة، متمنية أن نعيش التغيير المأمول واقعاً ينعم فيه الجميع بحق المواطنة الكريمة، على أمل أن تتوالى الإصلاحات الجذرية والنقلات التاريخية فنرى المرأة شريكة في مجلس الوزراء في قادم الأيام. وأخيراً.. انتهت لغة الهودج وبدأ عصر المرأة؛ الإنسان الكامل الأهلية، وكل مانقص عن هذا فغير جدير برفضه في زمن الملك المجدد عبدالله بن عبدالعزيز..