لا تفتح لغة الحوار بين الشخوص الدرامية في المسلسلات الخليجية؛ باب النقاش حول تقييم المستوى والشكل الفني للديالوغ الدرامي وحسب, وإنما أيضاً تتيح فرصة للتأمل حول منطق القول الذهني التي تتحدث به شخصية الإنسان الخليجي في الواقع أو في هذا المسلسل الخليجي أو ذاك. لقد اشتكى كثير من المشاهدين من كمية العنف اللفظي المتداول في المسلسلات السعودية والخليجية وذلك عبر الشتائم والألفاظ البذيئة والعبارات الصلفة التي تتفوه بها شخصيات المسلسلات خلال الحوار الدرامي. ودافع منتجو "الدراما البذيئة" بأن الواقع هو هكذا وأن ما تقوم به الدراما ليس أكثر من نقل أمينٍ للواقع, وقد يجد هؤلاء ما يدعم رأيهم في دراسة علمية ميدانية أجراها مركز رؤية (القصيم)، على خمس مناطق رئيسية في المملكة ونشرت في العام (2009) في (الرياض عدد 14803)، وخلصت إلى أن العنف اللفظي يحتل المركز الأول في مختلف مناطق المملكة بينما جاء العنف النفسي ومن ثم الجسدي في مراكز ثانية وثالثة؛ الأمر الذي يدلل للوهلة الأولى على أحقية عرض العنف اللفظي، على اعتبار أنه حقيقة قائمة في واقع الحياة في أكبر بلدان الخليج العربي. وهنا مربط الفرس، إذ نحن لسنا أمام مسلسل وثائقي، يؤرخ ويوثق لمشكلات مجتمع ما في زمان ومكان محدد، بل هو الفن الدرامي القائم على استلهام الواقع وإعادة إنتاجه تعبيريا وجمالياً؛ أما ما يذاع من حوار درامي في المسلسلات الخليجية، فهو يؤكد استسلام القائم بالعمل الفني للواقع، ضعفا واستكانة لوعيه أو عدم وعيه بصعوبة الكتابة الدرامية، لغير الموهوبين، أو من لا يريد أن يطور أدواته الفنية. لقد وصل واقع العنف اللفظي خليجياً إلى مستوى أخلاقي متدنٍ؛ لا نعرف بالضبط إذا ما كانت الدراما الخليجية سبباً في بلوغه، على اعتبار أن المسلسلات وأيضاً المسرحيات الخليجية خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة، حوت على العديد من المشاهد العنيفة لفظيا، بل والتي تكرس لسلوكيات تخل بالاحترام والآداب داخل الأسرة (حوار الابن بغير أدب مع أبيه أو أمه)؛ مذكرين، بما شددت عليه الدراسات الإعلامية في ميدان تأثير الإعلام على سلوك المشاهد، من أن الدراما الخليجية لاريب قد تركت أثراً في سلوك الأسرة والمجتمع الخليجي؛ منذ مسلسل (إلى أبي وأمي مع التحية) وصولاً إلى مسلسل (الملكة)!؛ في بيئة تلفزيونية دعائية خليجية، تزيد من مغريات التأثر بالدراما والممثلين والممثلات، بعد أن تحولوا إلى فتيات إعلان وفي أحسن الأحول، أشبه بالموديل. منتجو الدراما الخليجية يزعمون أنهم ينقلون الواقع بكل سوءاته! نعم، تقتضي كتابة السيناريو ورسم الشخصيات التباين والاختلاف في ما بينها، فليس كل الشخصيات على سوية واحدة أو كل الشخصيات بلغة و رتم وأدبٍ واحد؛ إلا أن هذا لا يعني أبدا، التخلي عن الشرط الفني الذي يفترض القيام بجهد إبداعي وذهني خلال كتابة الحوار الدرامي وهو أمر ليس بالسهولة، لسببين الأول: جمالي وفني محض والآخر ذهني وفكري. فبعد مقارنة سريعة بين أسلوب الحوار في المسلسلات الأمريكية المهمة وكذلك الأعمال الدرامية العربية الناجحة، في قبالة أغلب المسلسلات الخليجية، نجد أن المستوى الفني للحوار الدرامي الخليجي، ليس في أحسن الأحوال خصوصاً ونحن نتحدث عن مسلسلات خليجية كتبت بسرعة، في وسط فني وتجاري يعتقد أن على الكاتب أن يقدم نصين دراميين إلى أربعة في العام، خلافاً لكتاب سيناريو عرب، لا يقدمون في العام إلا مسلسلا واحدا "متعوبا عليه"؛ وهو ما يتطلب (بالنسبة للكاتب الخليجي) إلى المزيد من الحشو والثرثرة وخلو الحوارات من الفكرة والاتكاء، لتسخين المشهد على العنف اللفظي وتراشق الشتائم. الأمر الآخر يتعلق، بالذهنية الخليجية نفسها، إذ كما نعرف أن اللغة بما تتضمن من مفردات وتراكيب جملٍ وعبارات ومصطلحات وسياق تقال فيه الكلمات، كلها تعني "منطق" القول في هذه الذهنية الثقافية والمجتمعية أو تلك، والتي تعتمد على كمية معجم المفردات التي تتضمنها اللغة (اللهجة الخليجية) هذه، مقارنة بلغات ولهجات أخرى؛ من أجل التعبير بطلاقة وسعة عن الأفكار التي تجول في مخيلة الكاتب. ففي الوقت الذي نشاهد الحوار في الدراما التلفزيونية الغربية (المميزة) وهي تجري الحوار بين الشخوص، عبر تبادل الفكرة والمعلومة الإخبارية مع بعض التعبيرية؛ بينما نلحظ في حوار أغلب المسلسلات الخليجية، اعتمادها على بشكل ليس بالقليل على "التعليق" وليس الإخبار، كما في الذهنية الخليجية؛ والتعليق هنا يكون عادة، إما تذمرا أو سخرية، كأن يقول حمد: صب لي ماي؛ فيجيبه بدر: من حلاة هالماي مع ويهك ما في.. احسن من هالماي!. إن الحوار الدرامي منذ شكسبير يحتل مكانة مهمة في الأدب والفنون الدرامية (كالمسرح)؛ والذي تأثرت فيه العديد من روائع السينما والدرامية العالمية؛ بينما لايزال الحوار في الدراما الخليجية متبلداً، وأخشى أن يعكس واقعاً، ينحُو باتجاه الرتابة والبطء. من هنا (موقع التنظير النظري والرجاء) يتوجب أن يجتهد كاتب الدراما الخليجية في تطوير آلية الحوار الدرامي، وعدم الاستسلام للواقع عبر اتباعه ومحاكاته، بل عليه أن يزيد الواقع جمالاً كما تفعل الصورة. قد يواجه الكاتب مشكلات فقر معجم المفردات اللغوية في التعبير كما هو موجود في اللهجات الشامية والمصرية وبدرجة افضل (اللغة العربية) ذات العبارات والمفردات والمعاني الأوسع؛ إلا أنها تبقى مهمة صعبة تحتاج لمبدع يتعين عليه أن يفجر اللغة، لا أن ينحني للواقع!.