البدايات دائماً مختلفة، فالحصول على كأس خادم الحرمين الشريفين للأبطال ثم المشاركة في كأس آسيا واللعب في دور المجموعات، أمور تتسع شيئاً فشيئاً نحو الأفق، مباراة تخلفها مباراة وجماهير الأهلي حائرة مابين انتزاع لقب الدوري السعودي من أنياب الشباب أو السعي جدياً في التأهل لدور الستة عشر في بطولة آسيا. محطة القطار الآسيوي انطلقت من مباراة لخويا القطري في شهر مارس وخسر حينها الأهلي 1 - صفر، لحظات صعبة مرت على الفريق الأهلاوي إذ ظهر بعدها عدد كبير من المنظرين في القنوات الرياضية وأكدوا بأن "الراقي" يحتاج للكثير حتى تظهر بشكل مميز في آسيا. الدقائق تمضي في عسر شديد، مباراة سباهان اصفهان الكل يتذكرها في ملعب جدة حين استضاف الأهلي الفريق الإيراني وكان لدى التشيكي جاروليم روزنامة ضخمة من المباريات المحلية، لم يلق العجوز للمباراة بالاً وأخذ يضع يده على رأسه الأصلع.. لم يفكر أبداً. فجأةً، ركلة جزاء في الدقيقة ال 90 وجمهور الأهلي لا يصدق، فيكتور سيموس يتقدم ويضع هدف التعادل بكل ثقة. نقطة واحدة، خسارة وتعادل، رقم هزيل لمن يريد التأهل نحو الدور الثاني، كان الأمل في الفوز على النصر الإماراتي الذي يدربه الأرجنتيني كالديرون، وسبق للأخير أن قاد اتحاد جدة ويعلم عن جميع التفاصيل الكبيرة والصغيرة في عروس البحر الأحمر جدة. التقيا في دبي، وضرب الأهلي بلا هوادة، في أقل من نصف ساعة أحرز هدفين، والحظ يبتسم أخيراً للأهلاويين وثلاث نقاط تدخل الجيب الصغير بحثاً عن حلم كبير. عودة إلى جدة، وقبل نهاية الدوري السعودي بجولة واحدة، كانت الأعصاب مشدودة والأعلام منصوبة والسواعد ممدودة، كلها تهيأت لمباراة الشباب الدورية، والكل يردد أهازيج الأهلي في شارع التحلية، البعض متفائل، والبقية ينتظرون المباراة وفي أنفسهم "حلم" يخشون ضياعه بعد طول انتظار.. 33 عاماً. الشباب يتقدم، الأهلي يعادل، واللقب يطير لمصلحة «الليوث» الأهلي يعلن أن لا مجال للأحزان ويرفع شعار التحدي للمباراة الآسيوية المقبلة.. بدأ العمل. وصل النصر الإماراتي إلى جدة، والأهلي يريد تعويض خسارة الدوري، كشّر لاعبو الأهلي عن أنيابهم وظهر فريقهم كأسد جائع فأجهزوا وبشراسة على فريستهم "النصر" بثلاثية، جميع اللاعبين سجلوا، دفاعاً وسطاً وهجوماً، الأهلي عاد إلى الطريق الصحيح. الأمير فهد بن خالد يتابع التدريبات «أبناء قطر» الخويا يعودون وأهل جدة يكرمون وفادتهم بثلاثية نظيفة شهد لها أكثر من 20 ألف مشجع في استاد الأمير عبدالله الفيصل، الفريق يقترب من التأهل، الحلم البعيد بات قريباً من التحقيق، ذكريات 2005 تقترب أكثر وأكثر. المباراة الأخيرة، كانت تحصيل حاصل إذ لعب الأهلي مع سباهان الإيراني على استاد نقش جيهان وكانت الخسارة ب2-1 غير قاسية لضمان الأهلي التأهل نحو دور الستة عشر. الأهلي يلاعب الجزيرة الإماراتي في أبوظبي، دخل الفريق الأبيض ملعب محمد بن زايد وهو منتشي بجماهيره، في المقصورة الرئيسية... هدفين لهدفين فأشواط إضافية والجزيرة يسجل عبر البرازيلي ريكاردو اوليفيرا وابن جلدته الأهلاوي فيكتور يرد بهدف التعادل ثم ركلات الترجيح التي تبتسم للأهلاويين وتعلن وصولهم لدور الثمانية رسمياً للمرة الثانية في النسخة الجديدة. من جديد القرعة تضع الأهلي في وجه سباهان اصفهان الإيراني وأمل التأهل يعاند «الراقي» والملل يصيب أفئدة الجماهير والكآبة تحيط بأروقة النادي.. السفر لإيران بات مرهقاً ومتعباً، الجماهير الإيرانية في الملعب تقذف القوارير وترمي بالألعاب النارية، حكم المباراة يوقف المباراة حفاظاً على اللاعبين، الجميع يعود مرتدياً مشاعر الخوف، على الرغم من ذلك الأهلي تعادل صفر- صفر ويخرج رافعاً رأسه. في مباراة الإياب كان المنظر بديعاً في ملعب جدة إذ الخضرة تكسو المكان وكأنه حقل اينعت ثماره وحان وقت قطافها .. الجماهير مكتظة في جنبات الملعب، وحكم اللقاء أطلق صافرة البداية .. ربع ساعة وفارسه تيسير الجاسم يخرج من القمقم فينفرد بالمرمى ويعرقله حارس سباهان عباس محمدي ليحتسب حكم المباراة ركلة جزاء ويمنح البطاقة الحمراء لعباس. الأمور تغيرت تماماً للأفضل فيكتور سيموس يسجل الركلة والأهلي متقدم بهدف وخصمه منقوصاً عددياً وبعدها بست دقائق يضيف عماد الحوسني هدفاً ثانياً ثم تمر عشر دقائق أخرى ليعود عماد ويرتقي برأسه مبتعداً عن أطول مدافع في المنطقة مسجلاً الهدف الثالث، وفي الشوط الثاني أشرك جاروليم جميع اللاعبين محتفلاً بالتأهل الذي كان ختامه هدف رابع بقدم عبدالرحيم الجيزاوي. جدة تحتفل بالتأهل؛ لكن ذلك ليس كل شيء فلايزال هنالك نصف نهائي صعب الأهلي يلعب مع "العميد" وصاحب اللقبين الاتحاد. كانت مباراة الذهاب صعبة للغاية فالاتحاد يحشد جماهيره العريقة والجميع يترقب وجاروليم يجازف بإشراك لاعب شاب مصطفى بصاص ونايف هزازي يلدغ مرمى الأهلي بهدف اعترض عليه محبو الأهلي والمباراة تنتهي ورئيس الأهلي الأمير فهد بن خالد يطلق تصريحاً مليئاً بالثقة: "خسرنا مباراة ولم نخسر البطولة ولازلنا نعمل". الأهلاويون يعملون بشكل جماعي كخلية نحل والادارة تسعى لتجهيز فريقها بكامل عتاده في ملحمة الإياب. ليلة واحدة تفصلنا عن مباراة الإياب وفي يوم الأربعاء آخر ليالي أكتوبر زحفت الجماهير نحو الاستاد ظهراً.. البوابات تفتح عصراً والجميع مرهق. حانت ساعة الصفر ولاعبو الأهلي يدخلون أرض المباراة...الأهلي يريد أن يطال مرمى الحارس مبروك زايد والاتحاد لم يظهر بعد والأهلي يضغط بشكل كبير فإما أن يسجل أو يخرجوا من البطولة والشوط الأول يمضي وقبل أن ينتهي بثوان يرتقي معتز الموسى لكرة من ركلة ركنية، ويسكنها المرمى بكل هدوء، وجماهير الأهلي تنفجر فالتعادل حضر ومتى يأتي الفوز؟!.. السيناريو يتكرر وهذه المرة في الشوط الثاني حينما ركن البرازيلي فيكتور وسط غفلة من دفاع الاتحاد كرة بقدمه اليسرى ليهز بها شباك مبروك والجماهير لا تصدق اقتراب فريقها من النهائي، وفور نهاية اللقاء يقول رئيس الأهلي فهد بن خالد: "الليلة نحتفل وغداً نستعد لزعيم كوريا أولسان" أما جاروليم فقال: "دعوني احتفل وغداً أعدكم بالعمل" وصل الفريق إلى كوريا فكان أول المستقبلين حبّات الثلج إذ وصلت درجة الحرارة في كوريا خمس درجات مئوية تحت الصفر والجميع يستقل القطار انطلاقاً لمدينة جيونغ والمدرب يرأف بحال لاعبيه ويلغي مران اليوم الأول بعد أن قضوا ساعات طويلة في التنقل مابين القطار وأرض المطار. اليوم الثاني؛ الجميع مستعد الكل يريد أن يتدرب بشكل مكثف.. اللاعبون جاهزون عدا كامل الموسى الذي تدرب بمفرده. قبل أن يعطي المخرج الآسيوي الأمر بإنهاء المسلسل المثير وقبل أن يضع الحكم صافرته في فمه مطلقاً ذبذبات يحولها الهواء إلى رنين وقبل أن يركل لاعب كوري أو سعودي الكرة في المرمى وقبل أن يفرح جمهور ويبكي آخر .. قبل ذلك كله ندعو الله أن يوفق الأهلي في الحصول على اللقب الآسيوي.