صديق واصل؛ فنان متجدد بأفكاره وفنه يجبرك في كل عمل فني يقدمه على الدهشة والتأمل فيما أبدع، فهو فنان لا يعرف سوى الاتقان في عمله ولا يقبل بأقل من عمل فني خالص، في كل مجال يطرقه يبدع ويتميز ويدهش بفنه وألقه المتلقي، في هذه المساحة نستعرض آراء نقدية حول تجربته التشكيلية: في البدء يقول الناقد والفنان التشكيلي سامي جريدي: "من التفسير الأزلي للوجود تبرز هوية الأفكار الأولى التي أراد لها الفنان أن تكون ميداناً للسؤال عبر خريطة الرؤى المستقبلية والمشاريع الإبداعية والتي تتيح للفنان خصوصية العمل الفني بين أقرانه في الجيل الواحد وبخاصة إذا كانت الخامة ذات إشكال فلسفي من الأساس كخامة الحديد؛ في زمن الحيرة الكبرى يكتوي الفنان بنار الحديد وشماً على جسده معلناً خضوعه الأبدي لشهوة الفن، تلك اللذة والألم معاً، فهو من اكتوى بحقيقة نار الحديد وتفكيك الخامات وتطويعها ضمن منظومة معينة يرى من خلالها أحاسيسه ومشاعره وفلسفته للحياة الكئيبة التي يعيشها إنسان هذا العصر. من أعمال واصل الجديدة ويضيف:" حينما نتأمل تجربة الفنان السعودي النحّات (صديق واصل) عبر مشوار فني يتجاوز العشرين عاماً، نجد أننا أمام العديد من الأعمال والمشاريع والمعارض التي أنجزها عبر هذه السنوات، فقد كانت ولادته الفنية في بداية التسعينيات الميلادية وهي فترة مهمة في المشهد التشكيلي السعودي حيث تعتبر فترة الانفتاح الثقافي للتجارب الجديدة من الفنانين الشباب رغم تعرضهم بالرفض وعدم القبول من جيل الكلاسيكيين الذين لم يعون جيّداً حقيقة التطور العقلي ومبدأ التداخل بين الفنون والأجناس الأدبية وانصهارها في زمن الآلة والحداثة والعولمة. ويشير الناقد جريدي إلى أن الفنان (صديق) استخدم خامة الحديد كعنصر رئيس، وكعنصر صعب المراس يريد صبراً كبيراً وخبرة طويلة لكسر عنفوانه وجبروته، لكنه الفنان وحده هو من استطاع ترويضه، فالفنان (صديق) قام بترويضه بعنف بصري لتتشكل لديه الصورة الفنية الكلية التي يريدها عبر رحلة من النحت والتركيب والحفر بالصاروخ في مهمة فنية تحيطها الخطورة والجرأة خالقاً بذلك أشكالاً غريبة لوجوه مُبهمة وكائنات عجيبة وأجساد ممزقة وأقنعة لوجوه بشرية. ويختم حديثه الناقد جريدي بالقول إن خلاصة هذه القراءة نصل إلى أن الفنان (صديق واصل) يمتلك شفرات بصرية نحتية، تنكشف هويتها وحقيقتها في أعماله ويبدو انكشاف الشفرة أيضاً من خلال عدمية اللون لخام الحديد من الأساس، وتبدو الشفرة حاضرة أيضاً في عنصر الدراما الذي أخفى فيه الفنان حركة الأشكال النحتية عبر تأسيس مفاهيمي فني جديد. التدفق العاطفي والحسي ويرى الفنان والناقد الفني عبدالرحمن المغربي أنه عندما نشاهد المنجز الفني الخاص بالفنان صديق واصل نشعر بأهمية البحث الدؤوب لخلق أجواء تشكيلية مغايرة ومختلفة، سواء على مستوى (المجسم ) أو (اللوحة المسندة). ويضيف: نذكر كثيرًا الهرم المقلوب وهو بداية المدخل للفكر المجرد من أي شوائب للواقع المرئي، يرسل من خلاله تصورًا ما تجاه الحياة أو أي منعطف لهاجس اجتماعي يحتاج إلى تنويه أو بصيرة، فكأنه يبادر بالطرح ليقلب الموازين فيفصح عما يطوف بذاكرته في العقل الباطن مستخدمًا الحديد وكل ما يرتبط بهذه الخامة الصلبة كأداة للتعبير والإبداع. ويشير الناقد مغربي إلى أن (صديق واصل) ينتمي إلى توجه (المينيمال) أو الفن الجديد وهو توجه تقشفي جدًّا يهدف إلى تجريد العمل من أي سمه للتزيين أو البهرجة المتعارف عليها عند بعض الممارسين الذين يحتفون كثيرًا بالعمل، وهناك من النقاد من عقب على هذا المصطلح (بالأدنى من استخدام الأشكال التزيين والتقليل من شأن الشيء، وعدم الانغماس في أي تفاصيل تزينية، وتجنب التقنية التعبيرية) وحين نقارن نجد بالطبع مدى عزوف واصل عن جمالية الإنشاء والتكوين، فترى عشوائية البناء وبساطته في نفس الوقت. مكتفيًا بلون أو لونين من جنس الخامة أو أثر عمليات الصهر واللحام لتعطي رونقًا خاصًّا يرجع بالذاكرة إلى الوراء والماضي الدفين لنبصر سويًا إلى أهمية الأثر، فيصل إلى هدفه التشكيلي أو قضيته دون عناء. اتجه صديق في الفترة الأخيرة من تجربته إلى استخدام الأشياء اليومية والمألوفة مثل الأواني، والورق، والكتب، وعلب البيبسي، والأحذية.. وغير ذلك حيث كل شيء يقع تحت عينيه ممكن أن يختاره ويعيد صياغته بشكل بسيط دون تحوير كثيف وإضافة بعض من الحديد أو بعض من الألوان البسيطة ثم يعرضها كعمل فني، والحقيقة أن كل متلقٍ يستطيع أن يشاهد هذه الأشياء حيث إنها أشياء يومية ليست مستغربة على الإنسان العادي ولكن تكون غريبة بالفعل حين تعرض في معرض خاص وبشكل مباشر كعمل فني فذلك شيء غير مألوف، فالمثقف حين يرى الكتاب في مكتبته الخاصة لا يثير اهتمامه، والحداد حين يلمح صفيح الحديد المهمل في ورشته الخاص قد لا تثيره، والإنسان العادي عندما يلمع حذاءه عند الملمع بالتأكيد لا يعطي اعتبارًا لهذا الحدث فهي دراما يومية اعتادت العين أن تلاحظها، تلك المواقف السابقة وتلك الخامات بالطبع لا تدهشنا ولا تحرك أفكارنا ولا تثير فضولنا، ولكن عندما نعرض تلك الخامات في صالة من الصالات الخاصة بعرض اللوحات هنا نتساءل (هل هذا هو الفن؟).. ويختتم حديثه قائلاً: هكذا أراد صديق أن نتعامل مع تجاربه الأخيرة فهو لا يدعونا لمشاهدة أعماله فقط ولكن يدعونا للحوار معها ولكن بصمت وبهذه الطريقة فقط نستطيع أن (نشغل بعض الشبكات العاطلة في الدماغ).