أكدت الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد على ضرورة تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة داخل مؤسسات الدولة، وأكدت على مسؤولي الدولة بتطبيق تلك المبادئ من خلال أنظمة ولوائح وإجراءات واضحة ومتاحة، وتضمنت بأن اعتماد تلك المبادئ كممارسة يعد وسيلة فاعلة للوقاية من الفساد، فضلاً عن أنه يضفي على العمل الحكومي المزيد من المصداقية والاحترام وثقة المواطنين بالمؤسسات العامة، كما أكدت خطة التنمية التاسعة للدولة في أحد أهدافها على قيام الجهات الحكومية باتخاذ الإجراءات الكفيلة لتحقيق الشفافية والنزاهة والمساءلة. وتعد الجامعات من أهم مؤسسات الدولة التي تحتاج في هذه المرحلة إلى الإسراع بتفعيل ما تضمنته هذه الاستراتيجية الوطنية وخطة التنمية التاسعة، خصوصا أنها تتلقى دعما ماليا كبيرا من خلال ما يخصص لها من الحكومة في الميزانية السنوية للدولة، إضافة إلى الدعم غير المالي الذي يأتي في مقدمته الأراضي، وهو ما جعل إحدى جامعاتنا تحقق المركز الأول على مستوى العالم في امتلاك أكبر أرض من حيث المساحة، ومن المهم أن يربط ذلك الدعم بتحقيق الأهداف المقررة بأكبر قدر من الكفاءة والفعالية. كما أن هذه الجامعات تتلقى دعما كبيراً وغير مسبوق من خلال ما يخصص لها من تبرعات ومساهمات وأوقاف من المواطنين والمؤسسات والشركات، ومن المهم، بالإضافة إلى ربط ذلك الدعم بتحقيق الأهداف المنشودة، والاستمرار في كسب ثقة المتبرعين واستقطاب متبرعين جدد وبشكل مستمر. وقد أحسنت وزارة التعليم العالي عندما خصصت ورشة عمل في المؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي عقد يومي 25-26 جمادى الأولى 1433ه عن الحوكمة في الجامعات، كما أجادت في اختيار مقدم ورقة هذه الورشة الدكتور مريع سعد الهباش رئيس قسم المحاسبة في جامعة الملك خالد المتخصص في الحوكمة، والذي أكد على أن الواقع الفعلي في تطبيق مبادئ الحوكمة في الجامعات لا يلبي المأمول ولم يصل بعد إلى الحد الأدنى الذي يضمن تحقيق قيم المساواة والنزاهة والشفافية والمساءلة باعتبارها مكوناً أساسياً للإدارة الصالحة أو الرشيدة، وأشار إلى أن وحدة المراجعة الداخلية في بعض الجامعات بالمملكة لا تستطيع أن تقوم بعملها بفاعلية نظرا لحرمانها مما تحتاج إليه من استقلالية وحيادية، وأكد على حاجة الجامعات إلى الإسراع بتطبيق مبادئ الحوكمة بشكل فعلي وكامل. وأود أن أشير في هذا الخصوص إلى مبادرة على المستوى الحكومي للهيئة العامة للسياحة والآثار عندما تبنت سياسات الشفافية ومنع تعارض المصالح والمساءلة، ورسختها منهجاً وممارسة في الهيئة لحماية النزاهة والوقاية، وأصدرت منظومة من السياسات واللوائح والتعاميم المتعلقة بالشفافية والنزاهة ومنع تعارض المصالح، من ضمنها لائحة الإفصاح ومنع تعارض المصالح وسياسة الشفافية التامة في إجراءات المشتريات ووجود موقع إلكتروني للمشتريات يتسنى للجميع الاطلاع على مشروعات الهيئة ومنافساتها ومراقبتها، وكذلك سياسة العدالة في التعيين وسياسة التنوع المناطقي بين منسوبي جميع إدارات الهيئة ومنع أي تكتلات، فكانت الهيئة بذلك في طليعة الجهات الحكومية التي بادرت بترجمة التوصيات التي تضمنتها الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وخطة التنمية التاسعة، ووضعتها في دائرة الإلزام والتطبيق من خلال سياسات ولوائح وإجراءات واضحة ومتاحة للجميع. كما أشير إلى تجربة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي بدأت بنفسها وبيتها قبل أن تسأل الآخرين أن يصلحوا بيوتهم، فاستقطبت منظومة من خيرة الموظفين، وأخضعت تعيينهم لسياسات وإجراءات وضوابط عادلة وشفافة يمكن للمتتبع لأسمائهم أن يلمس كفاءتهم وتنوع مشاربهم، كما وضعت سياسات وإجراءات وضوابط واضحة تكفل تحقيق قيم الشفافية والنزاهة على أرض الواقع وبشكل مستمر، منها ضوابط الإدلاء بإقرار الذمة المالية لموظفي الهيئة التي أوجبت على كل موظف تقديم هذا الإقرار كل ثلاث سنوات من تاريخ شغله الوظيفة بالإضافة إلى تقديمه قبل شغل الوظيفة وبعد شهر من تاريخ انتهاء عمله، وقد حرصت تلك الضوابط على الموائمة بين الشفافية والسرية وفحص تلك الإقرارات ومتابعة الرقابة عليها، ونتطلع إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي نرى فيه تعميم هذا الاقرار على جميع موظفي الدولة الذين يشغلون وظائف تنفيذية مؤثرة، وفي مقدمتهم الوزراء ونوابهم ووكلاؤهم. ولما تقدم، فإنني أقترح على مجلس التعليم العالي بحكم اختصاصاته المنصوص عليها في نظامه دراسة موضوع حوكمة الجامعات، ووضع لوائح وقرارات تنظيمية تترجم الأهداف التي تضمنتها الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد وخطة التنمية التاسعة، وتضعها في دائرة الإلزام والتطبيق.