الحوار والنقاش هو خبزنا اليومي، في كل لحظات حياتنا نحن نقوم بهذه المهمة بصورة أو أخرى، ولأغراض مختلفة بالتأكيد.. حوار من أجل الوصول لقرار، أو للوصول إلى نقطة إلتقاء يبني عليها فعل ما، أو حوار من أجل ايضاح حقيقة أو الوصول إليها؛ لكن أسوأ أنواع الحوارات، وأكثرها انتشارًا، تلك القائمة على رغبة بقهر الخصوم، كما وصفت حنة أرندت كارل بوبر. هنا لا تجد رغبة بالفهم، بل رغبة بسوء الفهم، ولن تجد تفكيرًا بالأدلة والحجج، بل رغبة برفضها قبل التفكير بها حتى المتابع للحوارات منذ المجالس والملتقيات وحتى المنتديات الإلكترونية ثم وسائط الإعلام الجديد يلاحظ هذا الشيء، إن الحوار يتحول في لحظة ما من تبادل أفكار إلى حماية للذات، انكفاء على الفكرة الخاصة بكل طرف، ومحاولة دحض فكرة المقابل بأي طريقة كانت، صحيح أننا لا يمكن أن نتجاهل أن آلية الحوار والنقاش الأساسية قائمة على دحض حجج الخصم، لكن ما يدور في تلك الحوارات التي أعني شيء مختلف. هناك معركة تدور، لا للوصول إلى حقيقة أو مقاربة وجهات النظر، بل التعامل مع الحوار بمنطق المناظرة، المنتصر والمهزوم، لا بمنطق مقاربة الحقيقة! ربما هذا يجعل الحوارات تنتهي بشكل متشنج، تراوح مكانها غالبًا، لا تتقدم ولا تتأخر، وعند نهاية كل نقاش، نجد - غالبا – أن المتحاورين عادا إلى مراكزهما دون أي تغيير أو اختلاف، وكل منها يدعي شيئاً واحداً فقط، أن حجته أقوى، وأنه ألقم خصمه حجرا لن ينطق بعده، وكلاهما سيجد من الجماهير من يصفق، ويؤكد له هذا الشيء، وبالتالي لا خاسر في تلك الحوارات إلا الحقيقة، وفكرة التواصل بين البشر من أجلها.