هذا السؤال طرحته وول ستريت جورنال ( WSJ) في مقال جيمس هيرون في 8 نوفمبر من 2011 الذي يقول إن توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية الأخيرة تشير إلى علاقة عكسية بين الإنتاج وأسعار النفط، وإذا ما ارتفع السعر إلى 200 دولار في 2035 فان دول غير الأوبك ستتجاوب معه بإنتاج الموارد الأكثر تكلفة أي غير التقليدية أو الآبار العميقة، بينما الأوبك ستخفض إنتاجها وترفع إنتاجها عند سعر 50 دولارا من اجل تعظيم إيراداتها. طبعا هذا غير صحيح، فسلوك الأوبك عامة والسعودية خاصة ترفع إنتاجها مع ارتفاع الأسعار لضمان استقرار أسواق النفط العالمية، كما حدث خلال الأزمة الليبية وكذلك تاريخيا. كما نرى تناقضا واضحا حيث يذكر إن صافي التأثير لهذه التوقعات سواء كانت الأسعار 200 أو 50 دولارا في 2035 على إجمالي الإنتاج محدودة. ثم يبرر ذلك بان تعليقات السعودية مؤخرا بأنها ستستثمر أقل في صناعة النفط نتيجة الزيادة المتوقعة في الإنتاج من بلدان مثل البرازيل. إن جيمس قد تناقض كثيرا مع الذين لديهم خبرة في صناعة النفط من اقتصاديين وجيولوجيين متجاهلا طبيعة ذلك المورد غير المتجدد والناضب فلا يمكن مقارنته بالمورد المتجدد مثل الطاقة الشمسية مع مراعاة الإمكانيات والتكاليف ومرونة الطلب عليها. ثم يذكر إن إنتاج الغاز ارتفع بنسبة 19% منذ 2004، ولكن إنتاج النفط ارتفع فقط ب 1.9%، ألا يعرف ان معظم حقول النفط قد تم اكتشافها في العالم فهناك الحقول المنتجة والاحتياطيات المثبتة وغير المثبتة والمحتملة. ثم يقول إن الارتباط بين النفط وأسعاره قد تعطل في السبعينيات وهذا غير صحيح وإنما العوامل الاقتصادية والسياسة لها تأثير كبير على قوة الترابط بين الإنتاج والأسعار فلا يمكن تفسير ضعف العلاقة بأنه لا يوجد ترابط أبدا وإنما نستطيع القول إن الترابط ضعف وهذا يعتمد على طول الفترة التحليلية وحدوث تحولات من فترة إلى فترة كما تحددها طريقة (Chow Test) وليس فقط مجرد أرقام وترابط وإنما بناء على فرضيات تراعي السلسلة الزمنية التي تحدد هذه الترابط بدون تشويه لمخرجاتها. لكن الأهم إنه يقول في السبعينيات كان الاستثمار في إنتاج النفط في دول الأوبك يتأثر أكثر بالسياسة وأقل بقوى السوق وفي نفس السياق يناقض نفسه ويقول إن شركات النفط الحكومية قيدت الاستثمار الأجنبي، إلى حد كبير لأسباب قومية. وكثيراً ما خفضت الاوبك إنتاجها لدعم الأسعار وتحقيق أقصى قدر من الإيرادات وهذه أسباب اقتصادية بحتة وليست سياسية. فلا احد ينفي ان الأحداث والاضطرابات السياسية في الدول المنتجة للنفط تؤثر على إنتاجها ورفع أسعارها مثل المقاطعة في 1973 والثورة الإيرانية في 1979 والحرب العراقية الإيرانية في 1980 لكن العوامل الاقتصادية تحدد إنتاج الأوبك وتبني قراراتها عليها وإلا لماذا توجد منظمة الأوبك؟ وجاءت توقعات الأوبك في تقريرها ( 8-11-2011) لتدحض ذلك بأن إنتاج النفط في الأجلين المتوسط والطويل سيرتفع ولكنها حذرت من أن حالة عدم اليقين بشأن الطاقة والسياسات البيئية التي يمكن أن تؤثر على الاستثمار في إنتاج النفط. كما رفعت من توقعاتها لطلب العالمي على النفط إلى 92.9 مليون برميل يوميا في 2015 وسيصل إلى 109.7 ملايين برميل يوميا في 2035. أما في جانب العرض فتوقعت أن يرتفع من 29.3 مليون برميل يوميا في 2010 إلى 39.3 مليون برميل يوميا في 2035 أو بنسبة%34 مع بقاء حصة الاوبك من إجمالي الإنتاج العالمي على حالها بدون تغيير. كما أوضحت وكالة الطاقة الدولية في ( 9-11-2011 ) أن إنتاج السعودية سيوازي إنتاج روسيا الذي سيصل إلى 10.5 ملايين برميل يوميا في 2015 ثم سيتجاوزه إلى 14 مليون برميل يوميا بحلول 2035. هذا يعني إن الأوبك سيرتفع إنتاجها خلال هذه الفترة بنسبة 31% مع ارتفاع الأسعار، مما يتناقض مع ما يدعيه (جيمس). ألم يقرأ لأعظم علماء الجيولوجيا في عصرنا أصحاب (ذروة إنتاج النفط- Hubbert ) مثل كولن كامبل أو كينيث ديفيس أو تقرير روبرت هيرش ليدرك كيف يتفاعل العرض مع الأسعار عند الذروة التي يبدأ عندها الإنتاج في الانحدار وتتسع الفجوة بين العرض والطلب ولن يكون هنا تجاوب مع ارتفاع الأسعار. وعلينا أيضا أن ندرك مدى تأثير فعالية بدائل الطاقة الأخرى وكفاءة استعمال الوقود على مستقبل النفط فلن يبقى العالم مكتوف اليدين حتى ينضب النفط.