قبل سبعة أعوام من اليوم كنت ألمح السعادة في عيون من حولي، كانت شمس السعادة تشرق من عينيك يا أبي، كنت تراني في أحلامك التي لم تتحق، وأنت يا أمي كم كانت فرحتك كبيرة عندما ترين ابتسامتي التي لاتعرفين ما وراءها.. في ذلك الوقت وعندما كنت في الثالثة من عمري بدأت أشعر بأشياء غريبة، كنت أشعر أني لا أفهمك يا أمي، وعندما أنظر إلى وجهك يصعب على فهم مشاعرك، فلم أكن أستطيع أن أفسر أن ابتسامتك دليل ارتياح وسعادة وأن العبوس هو دليل الغضب أو الحزن أو عدم الارتياح، كنت أسمعك عندما تتحدثين مع الآخرين أني لم أنطلق حتى الآن بكلمة واحدة، وكنت أتمنى أن أسمعك «ماما» التي لاشك ستطربين لسماعها... وعندما أحتاج إليك يا أبي.. تتردد «بابا» في داخلي.. أنظر اليك من بعيد أريد أن أناديك..لكني لا أستطيع فأبكي وأبكي.. وارتمي على الأرض أريد أن تفهمني وتأتي.. لكنك وأمي تظنان أنني طفل غير مهذب وعنيد، وأنا لست كذلك.. ولكن أنى لكم أن تفهموا ذلك، أنه طريقتي الوحيدة للتعبير عن مشاعري.. وعن عجزي عن الحديث عما يجول في نفسي.. وكم من الأيام مرت علي وأنا أقاسي آلاماً جسدية.. وأراك يا أمي وأنت تضميني إلى صدرك والدموع في عينيك تتمنين أن تعرفي سب آلامي، وذات يوم التفت إلى أبي وهو في وضع نفسي سيء بسبب شعوره بالعجز عن معرفة ما بي، وقلت: ليته قادر على الكلام ليخبرنا بماذا يشعر وماذا يؤلمه، إلى متى سيظل هكذا عاجزا عن الكلام؟؟ ثم انفجرت باكية.. ولمحت في عيني والدي دمعة أحرقت قلبي.. ولكني قلت لنفسي: لابد أن هناك حلا وبعد الظلام لابد أن تشرق الشمس. والدي الحبيبين.. تحملاني.. أعلم كم أسبب لكما من المتاعب والآلام، وكم تسببت في إحراجكما في مواقف عديدة، ولكن صدقاني ليس ذلك بيدي، أعرف يا أبي كم أسبب لك من الإحراج في الأماكن العامة عندما أضحك فجأة وبصوت مرتفع، ولكن ماذا أفعل إنني أشعر بالسعادة وأريد أن أعبر عن ذلك وهذه هي طريقتي الوحيدة للتعبير، فلا تنزعج مني أرجوك تحملني.. وأنت يا أمي.. أعلم كم تعانين عندما تريدين أن تلبسيني ثيابا جديدة، تريدين أن أفرح بالجديد؟! لا أستطيع إن ذلك يفوق قدرتي على التحمل، فأرجوك ساعديني بتفهم ذلك.. كما أرجوك ألا تجبريني على اللعب مع الأطفال الآخرين فأنا يصعب علي مشاركتهم لأنني لا أفهمهم وهم عاجزون عن فهمي..!! أمي وأبي.. أعلم كم كانت خيبة أملكما عندما علمتما أنني «طفل توحدي»، ولكن ماذا بوسعنا جميعا أن نفعل غير الرضا والتسليم بقضاء الله جل وعلا.. أريد منكما مساعدتي للتعايش مع «التوحد»، فلدي الكثير الكثير من الإمكانيات والقدرات.. فقد أنتظر المساعدة، قدما إلي المساعدة بالتقبل والتفهم والتعليم المناسب وبدعم قضيتي ما دامت لديكما القدرة على ذلك، تحدثا عني وعن إنجازاتي أمام الآخرين.. أرسما مستقبلي بحبكما وبدعمكما، اجعلا من قضيتي موضوعاً في المنتديات والمؤتمرات وفي كافة وسائل الإعلام، وساهما ولو بمجرد الحديث عنها، فهناك الكثير من أمثالي لم يجدوا فرصا للحياة السوية داخل المنزل، ولم تتح لهم الفرصة للتعلم، فأصبحوا يعيشون داخل سجنين.. التوحد والمنزل!! فأرجوكم ثم أرجوكم أن لا تهملوا قضيتي أدرسوها واقرأوا عنها فقد تتمكنوا من معرفة أسبابها، ومن ثم تصلوا للعلاج الملائم أو تنير لكم الطريق لمعرفة طرق التواصل والتعليم والتأهيل.. وأنتم.. لا تنتظروا أن يصبح لديكم طفل توحدي حتى تتبنوا هذه القضية..!! آمالنا كبيرة فلا تقتلوها.
