تصعد إلى الطائرة وأنت خائف من كارثة سقوطها، تجلس في مقعدك متوتراً مرعوباً لا تستطيع أن تنام أو تأكل، أو تتفاعل مع ما يجري في داخل أروقتها، تستغرب من تلك الوجوه التي تنام حتى الشخير، وتضحك، وتقرأ، وتستمتع وكأنها على الأرض، يرعبك إن فتح من بجانبك النافذة، تشعر معها أنك معلق بين السماء والأرض، ولو سألت نفسك ما الذي يجبرك على هذا الاحساس القاتل ولماذا؟ ستجيب أن لا خيارات أخرى لديك على الاطلاق، وانك لابد أن تسافر في ظل عدم وجود وسيلة أخرى. تخاف الطائرة، آخر يخاف ركوب البحر، وثالث يخاف من الغد وآخر من المستقبل، وآخر من الفشل أن يأتي، أو أن يعود، يخاف من يمارسون اضطهاد شعوبهم الآن والتنكيل بهم من فقدان كراسيهم، من غياب صورة الحاكم، من سقوطها، تخاف الشعوب من يكره ما سيأتي، وسيقلب كل الأمور. يخاف أحدهم من الفقر رغم انه غني، ويخاف آخر من المرض رغم انه سليم، يكتوي كل خائف بخوفه، ويتعذب نفسياً نتيجة الشعور بالخوف وممارسته كل لحظة، يغيب عنه الشعور بالأمان وهو شرط الحياة والصحة والعافية. وتختلف المخاوف من شخص إلى آخر ولا تلتقي، لأنها تصبح مشكلة الشخص الشخصية، والخاصة، يكبّرها في ذهنه، ويضخمها في خياله، رغم أنه لا علاقة لها بالواقع ولا يمكن أن تكون، لأن الأبحاث النفسية أثبتت أن الإنسان عندما يخاف من أحد الأمور كأن يفقد منزله، أو يخسر ماله، يتحول هذا الأمر إلى هاجس في لاشعوره، بحيث يصبح جزءا منه يتمنى أن تحدث الكارثة التي يخشاها، ليتوقف التوتر الذي يصيبه بشكل مستمر، وأوضحت الدراسة ان هذا الخوف والتوتر الزائد، الذي يولد الصراع النفسي داخل الإنسان يدفعه إلى أن يرتكب أبشع الأخطاء، وأن يتصرف بطريقة خاطئة تضر به وبمصالحه فيصبح قلقاً طوال الوقت ويتعامل بعصبية مفرطة مع الآخرين، ما يجعلهم ينفرون منه، ما يضر باسمه وسمعته أمام الناس، اضافة إلى أن هذا التوتر الشديد يقود إلى نتائج عكسية، إذ يدفع صاحبه بدلاً من تجنب مخاوفه، إلى أن يرتكب الكثير من الأخطاء، سواء في حياته المهنية، أو الشخصية، وهو الأمر الذي قد يحوّل ما يهابه الإنسان، من فقر أو أداء رديء في العمل، إلى حقيقة واقعة. وفي حياتك اليومية قد تتوتر وأنت الذي لا يداهمك الخوف من صديق، أو قريب، أو أحد أفراد العائلة عندما يبث خوفه، وينثره عليك.. أتذكر أن أحد أطفال العائلة كان منذ فترة يشاهد مباراة لكرة القدم بين فريقين متنافسين، ومكان يشجع أحدهما، وقبل بداية المباراة بساعات كان خائفاً ومتوتراً ومشدوداً ليس من المباراة بل من الهزيمة إن حصلت، وكيف سيواجه زملاءه في المدرسة، كان خائفاً من وقع الهزيمة، ومن شماتة أصدقائه حتى إنه هدد بالغياب ان هُزم الفريق، خوف حقيقي تحول إلى بكاء بعد الهزيمة الفعلية وغياب عن المدرسة. رغم أن المباريات فوز وهزيمة لكن الخوف من الهزيمة والايمان الفعلي بوقوعها قبل ان تحدث يجسد الخوف ويجعلك تذوب داخله. يقول الدكتور جوزيف مارفي أحد الخبراء العالميين في مجال التصوف وطرق عمل العقل (إنني اؤمن بأنه لايمكن لأي أفكار سلبية أن تتجلى وتتحقق ما لم تمثلها عاطفياً أو عقلياً وأنا أرفض أن تنزل أفكار الخوف ضيفاً على عقلي ولذلك فإن الأذى لن يعرف طريقه إليّ). في ألمانيا كان الخوف من الموت بسبب الكوارث يقض مضاجع 66٪ منهم رغم أن نسبة حدوثها لا تزيد على 1 إلى مليون، وهو ما يكشف عن أن مخاوف الإنسان بعيدة جداً عن الواقع. الطبيب والكاتب الألماني كلاوس هايلمان نشر كتاباً بعنوان «بارومتر المخاوف» يوثق فيه مخاوف المواطن الألماني، ويضع لها سلّم خطورة، ويصل إلى نتيجة بأن الخوف من الموت، والخوف من الكوارث، والخوف من كل شيء يكفي لتقصير عمر الإنسان، ومن يعش مشحوناً بالمخاوف يمرض أكثر من غيره، فالخوف نفسه قد يكون مرضاً ويقضي في النهاية على الإنسان المذعور من الكثير من الأشياء التي لا تشكل خطراً داهماً على حياة الإنسان والممتدة بين العولمة والتقنيات الرقمية. كثيرون فقدوا طعم الحياة بسبب الخوف، وآخرون أصبح عدوهم الأول، لكن هذا العدو له حضور عند كل خائف وسبب يختلف عن الآخر، ولا اعتقد ان هناك من لا يخاف، أو يرتعب احياناً ولكن بنسب مختلفة، وفي أوقات غير ثابتة، فالخوف قد يكون في بعض الأحيان هو الطبيعي حتى وإن لم يكن ظاهراً، لكن مَ تخاف عزيزي القارئ؟ ما الذي يرعبك؟ وهل بإمكانك السيطرة على مخاوفك إن حضرت؟