الموت فراق.. الموت حق والفراق حزن.. والحزن فطرة إنسانية.. هو حالة رقة القلب وسمو العاطفة.. الموت نهاية طبيعية لرحلة الإنسان على الأرض.. الكل يدرك هذه النهاية.. وليس كل من يدرك الشيء يفهمه.. هنا يختلف الناس.. وتتباين درجات تعاملهم مع الواقع.. والوصول إلى فهم الشيء يعطيك القوة للتعامل معه بهدوء. ولكنه قد لايمنعك من الحزن إن كان الحدث جللاً والمصاب عظيم. تداعت كل هذه الأفكار في داخلي منذ اللحظة التي سمعت فيها نبأ وفاة الابن الحبيب ماجد فريد يوسف خاشقجي.. الذي غيبه الموت فجأة وهو بعيد عن أرض الوطن.. بعيد عن الأهل.. بعيد عن الأصحاب والأصدقاء، وكل هؤلاء يحبون ماجد.. حتى هذا الوطن يحبه.. إذ ذهب إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية طلباً للعلم ليعود من أجل هذا الوطن.. الحب علاقة تبادلية مع الأشياء ومع الناس.. أنت وحدك مَنْ تعيش الحب.. ومَنْ تفهم الحب.. وهذه تفسر هذا الحب. نزل نبأ وفاة ماجد علينا.. نحن الأهل.. ونحن الأحبة.. ونحن الأصدقاء.. نزول الفاجعة، فكلنا نجزع وكلنا نتألم هذه فطرة الخلق.. ولكننا كلنا أيضاً سنستلم لقضاء الله وقدره.. نؤمن بأن لكل أجل كتاباً.. وان هذه حكمة الله في خلقه.. وكلنا ميتون. وفي تجلي هذا الإيمان بقدر الله عز وجل يتسرب الحزن إلى داخلنا.. فقد خزن قبلنا سيد الخلق أجمعين محمد الرسول الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. ونحن على هدى رسولنا الكريم. تداعت هذه الكلمات في خاطري وأنا اكتب هذه الخاطرة وقد مضى على رحيل ماجد نحو أسبوع.. ومازلت أحاول ان أفهم هذا الحزن.. وتذكرت تلك الكلمات التي تبلورت في ذهني وأنا أرقب اللحظات الأولى لوقع النبأ على والدة ماجد السيدة إنجاد حسن خاشقجي، وهي تلتقط بروازاً صغيراً به صورة قرة عينها ماجد.. وعيناها تذرفان دمعاً غالياً. في لحظة صمت رهيب.. كان كل شيء حولنا في مجلس عائلة فريد صامتاً.. لاصوت إلا للأنين.. أو لعله كان صوت ذلك الدمع الذي كان يترقرق من كل عين حاضرة.. في تلك اللحظات لو كان للإنسان ان يرى الحزن.. لرآه شاخصاً أمامه في والدته إنجاد التي جسدت بأحاسيسها المرهفة كل معاني الحزن.. لم أكن قادراً على ان أقول كلمة وقفت أمام هذا الحزن صامتاً.. وأحسب أنني كنت بصمتي أود ان أقول لها.. لا تحزني يا إنجاد.. كلنا محزونون على ماجد.. ولكننا ندرك ان ماجد بين يدي الله عز وجل.. وهو الرحيم بعباده.. وهو الذي وسعت رحمته كل شيء. في تلك اللحظات كان والده فريد يجسد حبه المؤمن على قضاء الله وقدره.. يتوجه إلى الله بأن يرحم ماجد وبأن ينزل على أهله الصبر والسكينة.. اللهم إن ماجد الآن عندك.. فأحسن اللهم نزله وأسكنه ياربي جناتك الوارفة.. اللهم أرحمه برحمتك الواسعة. وارحم أمة سيدنا محمد أجمعين.. وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى هذا المصير.. وكلنا إلى ذلك المصير سائرون.. إنا لله وإنا إليه راجعون.