تعرضت الدولة السعودية الأولى التي بدأت بشائرها تلوح فى الأفق منذ عام 1157ه حتى سقوطها عام 1233ه لتهديدات عدة للقضاء عليها. فكان الهجوم مبنيا على محاربة الدعوة السلفية المبنية على العدل والأمن المستمدة من تطبيق إحكام الشريعة والحرص على محاربة كل ما يخاف الشرع، لذا منّ الله باستمرار هذه الدولة المباركة التي وحدت الشمل المتفرق ونشرت الدعوة الإسلامية الصحيحة وأحيت منهج العدل وعدم الجور فلا غرابة أن تجد الإخلاص من أبنائها لهذه الدولة. ونستعرض هنا إحدى هذه الوثائق التي بيننا، حيث تعتبر من أصدق المصادر لدراسة جزء من تاريخنا وهي ضمن مجموعة وثائق تتحدث عن موقف الدولة العثمانية من الدولة السعودية الأولى متمثلة في شن محمد على باشا والي مصر حربه عن طريق قواده والذي نتج منه الجور والظلم. وهذه الرسالة أرسلها خورشيد باشا يبين فيها ما لحق بأبناء هذه البلاد وأنها ارتكبت من المظالم ما يخالف الشرع وأن حكام آل سعود أرأف بأهالى هذه البلاد من خلال تطبيق الشريعة وعدم فرض ضرائب تثقل كاهل مواطنيها والتي تخالف الشرع واقتصارهم على الزكاة وإخلاص مواطنيهم لحكامهم، وكما قيل الحق ما شهدت به الأعداء ...الخ. بعث هذه وثيقة خورشيد باشا إلى والي مصر وهي من كتاب ((وثائق تاريخ شبه الجزيرة العربية في العصر الحديث، إعداد وتحقيق أ.د. عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم ج5 / 591-593 الناشر: دار الكتاب الجامعي - القاهرة 1421ه ). ولقد ذكر القائد خورشيد باشا في رسالة بعثها إلى والى مصر يبين فيها الخراب والدمار الذي حل في نجد وأن القادة الذين سبقوه كانوا يعطون الأمان للمواطنين فإذا جاؤوا قتلوهم... بل تجاوز في عدوانهم حتى وصل إلى النساء ثم ذكر أن آل سعود لما حكموا نجد حكموها بالدين... الخ ونقتطف جزء منها وهي كالتالي: البند السادس: ان حضرة صاحب الدولة، السر عسكر، عنوان الظفر، لما شرف أراضي نجد، أدب أهل نجد، بالسيف، وقتل منهم رجالا كثيرة، ولكن أهل “نجد”، والحال على ما ذكر، راضون عن أفندينا، السر عسكر، وشاكرون له، وبينما كان أهل “نجد “، في هذه الحيرة، واذا بالمرحوم حسين بك، وحسن بك، جاءا، وجعلا “نجد” خرابا يبابا، وكان يعطى الأمان لبعضهم، فإذا جاؤوا عنده قتلهم، فلهذا كان من وراء ذلك، خسائر كثير، ولم يكتف بما فعله، بالرجال، بل تجاوز في عدوانه، حتى وصل إلى النساء، ومن أجل ذلك، أصبح أهل “نجد”، مسلوبي الأمان، والاطمئنان لنا، ولم يزالوا في خوف، وان منهم من هو حتى اليوم، في أطراف “العراق”، فإذا كلفناهم، اليوم بشيء خارج عن حدود القانون، فإن فرارهم قريب (محقق )، بعد المقاتلة، وان تحصيل المنفعة منهم، محتاج لوقت طويل، وكما ان جزيرة العرب بيد الحكومة المصرية، فإن الاستيلاء على “نجد”، أمر لا يدفعه. البند السابع: ان آل سعود، لما حكموا “نجد”، حكموها باسم الدين، فإنهم نظموا الإيرادات، ... وفق الشريعة، فكانوا يأخذون الزكاة، عن الغلال، خمسة أرداب، عن مائة أردب، وخمسة قناطر من التمر، عن مائة قنطار، ... واذا كان في بلدة رجل غني فقد كانوا يطلبون منه زكاة المال، ويعبرون عنه بزكاة العروض، وذلك الغني، يعطيهم ما تسمح به نفسه، فإذا ذهبوا لغزوة، فانتصروا فيها، وأخذوا عن كل خمسة، من الابل جملا، وعن كل خمسة رؤوس من الغنم، خروفا، فأما في أيام سعود، فقد كان واردة من “البحرين” و”عمان” و”مسقط” و”صنعا” وغيرها من مختلف الجهات، ومن الشريف حمود أبي مسمار، في “ اليمن “، ما بين خمسين ألفا إلى ستين ألفا من الفرانسة، في السنة وكما كان يأخذ من الجهات المذكورة نقودا كما ذكرنا كان واردة من “الأحسا” ومن البدو يبلغ تارة مئة وخمسين ألفا من الفرانسة وتارة بين مائتي ألف وكان يحصل له وارد من حجاج العجم، كلي، وجزئي بحسب كثرتهم وقلتهم، وما ذكرناه فهو بعد التحقيق، فلا كذب فيه، لأن هذه الوضعية شيء من نوع الظهورات، وبسبب العصيان الذي يحصل، في “نجد” في بعض الأحيان، فقد كان له قانون يسمى بيت المال، والنكال، فتارة يطبق وتارة لا يطبق، وهذا أيضا من جملة الظهورات فلا يمكن اعطاء الجواب القطعي عنه، أما قرى “نجد” فإن وارداتها ما ذكرناه آنفا، وهو الرسوم التى تؤخذ من التجار المترددين، وذلك شئ جزئي ولم توضع على قرى “نجد” مطلوبات، بجميع أنواعها، لأنها ضعيفة الحال، من جهة ومن جهة أخرى، ان إدارة تلك الجهات الكثيرة إنما يكون إذا صارت “نجد “ حضرية، فمن أجل ذلك ان آل سعود لم يضعوا عليها تكاليف، ولا وضعوا لها قوانين غير دعوتهم للخدمة العسكرية وهم يعاملون حسب عاداتهم القديمة على هذا المنوال..) البند الثامن: (( إن بسبب ما ذكرناه، عما كان في أيام حسين بك وحسن بك من الأمور فإن أكثر أهل “نجد” منهم من سرح الى “بغداد” ومنهم من ذهب إلى “البصرة “ ومنهم من قصد “سوق الشيوخ” ومنهم من توجه نحو “الكويت” و”البحرين” و”عمان” إما بأهله وعياله، وإما بمفرده ليس معه غير سلاحه وان أكثر أهل “نجد” اليوم في تلك الجهات وأما من ترك أهله في “نجد” فإنه إذا بلغه انه حدث حادث في “نجد” أخذ سلاحه ويمم “نجد” للقتال حتى إذا فزع منه عاد من حيث أتى، حتى انه في محاربة فيصل حدث ان الذين حاربوا جاء فريق منهم من هنالك وبعد ما انتهى القتال عادوا راجعين وان الموجودين منهم في “نجد” من من هم على هذا المنوال إلا انهم خارج بلادهم والقسم الاخر يده على أذنه وأذنه على يده «كناية عن سرعة التأهب للتروح» فإذا رأى انه لا طاقة له بالمقاومة انسحب وذهب الى أحد تلك الجهات مترقبا الفرص فإذا كان الأمر أي كأنه دار ذات بابين فإن الأمور التى يراد إجراؤها حكوميا ليست بالسهلة بل هي أمور تحتاج إلى وقت كما لا يخفى.... أخيرا نقول ان القراءة الفاحصة لأمثال هذه الوثائق التي تشهد بجهود هذه الدولة وقادتها على مر الأزمان لتقدم إحدى الشهادات المثلى لما شهد به الأعداء فى يوماً ما ولا بد أن ينجلى صدقها وهذا ما تحقق بحمد الله وفضله.