في مناسبات عديدة شعرت بأن هذا الإنسان على سليقته، طيب بطبعه، كأني بقلبه ممتلئا حنانا، وحبا، وكأني بيده مبسوطة عطاء وسخاء. مالي أرى أبوابهم مهجورة وكأن بابك مجمع الأسواق حابوك أم هابوك أم شاموا الندى بيديك فاجتمعوا من الآفاق إني رأيتك للمكارم عاشقا والمكرمات قليلة العشاق وكأني بوجهه يشع ابتهاجا، ويظهر صفاء القلب، ونقاء السريرة. تذكرت تعابيره وهو يبعد عنه ذلك الصحفي يسأله عن شعوره بموت الملك الحسين، وهو يدفع بلطف، متأثرا، ويقول له: أرجوك، أرجوك. وتذكرته وهو يلوح بيده في مرات كثيرة، وهو إذ ذاك لم يعتل صهوة جواد الوطن، ليقود الرعية إلى مأمنها، فينزل في الأسواق، ويتذوق أصناف الطعام، ويمازح من معه، والباعة، دون كلفة، ودون استكبار، أو علو. وتذكرته، وهو يؤدي رقصة الحرب بين إخوانه، وأحبابه، في الجنادرية، وفي مناسبات عدة، في افتتاح مشروع، أو حضور احتفالية. وتذكرته، وهو يمسح الدمع من عينين فاضتا، وقلبه يعتصر ألما على شهداء من جنوده، قضوا وهم يدافعون عن أرضه، ويحمون كيانه، فلا يتمالك نفسه وهو يستمع إلى أيتامهم يلوذون به، بعد المولى، جل في علاه، ليكون لهم ابا، وحصنا يحميهم من عاديات الزمان. وتذكرته، وهو يزور فقراء من رعيته، فيواسيهم، ويضاحكهم، ويهون عليهم، ويبشرهم، ويرفع معنوياتهم، ويصدر الأمر بحل مشكلاتهم. يا من تشرف بالدنيا وطينتها ليس التشرف رفع الطين بالطين إذا أردت شريف الناس كلهم فانظر إلى ملك في زي مسكين ذاك الذي عظمت في الله نعمته وذاك يصلح للدنيا وللدين وتذكرته، وهو يبوح بمكنون صدره عن ألمه، وهو يرى صور النساء تنشر على الصحف، فيأمل من الصحفيين عدم فعل ذلك. تذكرته، وأنا أستمع إليه يلقي تلك الكلمات، الممزوجة بالبراءة الملكية، لا ترى أنها فوق رعيتها ولا تحس بعلو عليها، ولا تسعى في الأرض فسادا، وهو يحكي احتباسه عن الجمهور لأكثر من ساعة، - رغما عنه - وهو الملك، وهو القائد! وتذكرت أسئلته، وهو يطرحها على الوزير يسأل عن السكن، وعن العدد، وعن، وعن، وتذكرته وهو يمسك بطرف ثوبه ينفضه متبرئا من تبعة الفعل، يخاطب وزير الشئون الإسلامية، ورئيس رئاسة الحرم النبوي والمدني، في وضع أساس مشروع جبل عمر، وهو يقول لهم: أنا ذمتي بريئة، فيقول الوزير: نعم، ذمتك بريئة. تذكرته وقد بسط كفه لمن أساء إلى بلاده وشعبه، فانخرط في عداد الخارجين، وبالغ في لجاجه، وإساءته، فيصدر عفوه، ويفتح لهم بابا كي يرجعوا للحق، ويثوبوا إلى رشدهم، ولسان حاله يحكي عن نفسه أنه: كريم له وجهان وجه لدى الرضا أسيل ووجه في الكريهة باسلُ فأم الذي آمنت آمنة الردى وأم الذي أوعدت بالثكل ثاكلُ وليس بمعطى العفو من غير قدرة ويعفو إذا ما مكنته المقاتلُ وتذكرته وهو يعتذر لشعبه في جازان، وفي عرعر وطريف والقريات، يعتذر عن القصور، ويعد بالتغيير، ويدشن المشاريع. وتذكرته، في أحوال عديدة، تختزلها الذاكرة، ربما سجلت بعضا منها عدسات التصوير، وربما غفلت عن كثير، ولكن لم يغفل عنها السميع البصير. وقد عرضت شريط الذكريات الملكية هذا، وأنا أعلم كيف يعاني إخوان لنا من بلاد قريبة، وبعيدة، لكنهم يشاركوننا الإيمان، والعروبة، فينتفضون ليتخلصوا من الاستعباد، ويطلبون الحرية، فيبذلون في سبيلها دماء، وأعراضا، وأمنا واستقرارا، فقد فاض بهم الكيل، في الوقت الذي نصفق فيه بحرارة لطلة المليك، ونتابعه بأبصارنا، وندعو له من قلوبنا، قلناها حين عاد من سفره العلاجي، وقبل ذلك حين ودعنا وهو يكتم أنة المرض، ثم أراه يرفع عصاه، مقاوما ضغط الزمان، والمسؤولية، ليحيي الجمهور في قاعة الاحتفال. إنه عطاء دائم، وسحاب مدرار، لا ينقطع غيثه، حتى صارت بلادنا الشاسعة حدائق غناء، تزهو بكل زوج بهيج، وفي كل يوم وجه صبيح يشرق بكل ما يبعث الأمل ويحيي النفوس. وجدتك أمس خير بني لؤي وأنت اليوم خير منك أمس وأنت غداً تزيد الخير ضعفاً كذاك تزيد سادة عبد شمس وتذكرت أن من عادة قومنا ألا يذكروا محاسن أحد حتى يفقدوه، ولا يكادون يثنون عليه حيا، حتى لا يقال عنهم إنهم يطمعون، أو ظنا منهم أنهم حين يمدحون يدخلون في الحديث (احثوا في وجوه المداحين التراب) وليس هذا داخلا في الحديث، فالحديث يريد المداحين، الذين اعتادوا مدح الناس لهذه الغاية، فيقولون فيهم ما ليس فيهم، فهو في الحقيقة كذب ونفاق، وليس مدح المحسن، من ذلك في شيء، فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، وعمر، ومدح عثمان، وعلي، وبشر أناسا بالجنة، وكذا فعل السلف الصالح، فإنهم يمدحون من يستحق المدح، ويثنون عليه بما هو أهل له لا يزيدون، ولا يتقولون. ومدح من يستحق المدح هو اعتراف بالفضل لأهله، ونعوذ بالله أن نكون ممن لا تقع عينه إلا على ما يشين، ويغمضها عن كل حسن وجميل، وأن نكون كما قال الأديب الأندلسي: يعاقب من أساء القول فيهم وإن يحسن فليس له ثواب ولست فيما ذكرته عن أبي متعب بمبالغ، فكل ما تحدثت به ظاهر، وواضح. ولعلي انتهزها فرصة فأبدي اقتراحا، أرفعه إلى مقام أمير الرياض، أمير الوفاء، سلمان بن عبدالعزيز، لنقدم لمليكنا المحبوب هدية رمزية، تعبر عما تكنه صدورنا له، من احترام، وتوقير، ونحن على أعتاب دخول السنة السابعة من حكمه المديد، فيكون يوم 26/6، يوم المليك، وليس يدور في ذهني شيء معين لهذا اليوم، فللجميع أن يشاركوني في هذا باقتراح ما يمكن أن يهدى للمليك في ذكرى اعتلائه العرش، أمد الله في عمره على طاعته، وأعناه على ما تحمل، وألبسه لباس الصحة والعافية، وغفر له ولوالديه، ولمن سبقه من ملوك هذه البلاد، وجمعهم في عليين، مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.