لا تخطئ العين حجم وضخامة الاهتمام والرعاية اللذين توليهما الدولة للقطاع الصحي، كما لا يخفى على أحد حجم التطور والنمو والتميّز في المجال الطبي، الذي أصبح إحدى السمات البارزة للتنمية التي تعيشها المملكة في كافة المجالات، ويتجلّى التطوّر في القطاع الطبي في عدة مظاهر، أهمّها المستوى المشرّف الذي وصل إليه الكادر الطبي البشري السعودي، فإذا كانت التنمية تُقاس بمدى تأهيل وكفاءة العنصر البشري، فإن المستوى الذي وصل إليه الأطباء السعوديين من الجنسين وبمختلف التخصصات الطبية أصبح مُثار إعجاب ودهشة المتخصصين في أنحاء العالم، وتشهد الانجازات الطبية التي تُجرى على أيدي الأطباء والطبيبات السعوديين، سواءً تلك المتعلقة بالبحوث والاكتشافات الطبية العلمية الدقيقة، أو بالعمليات والجراحات الدقيقة بالمستوى الذي وصلت إليه هذه الكفاءات والتأهيل الذي حصلت عليه من مراكز الطب العالمية، كما أن المستشفيات السعودية المتخصّصة بتجهيزاتها وتقنياتها المتقدمة أصبحت هي الأخرى مراكز علمية باسقة للانجازات الطبية المتقدمة. ورغم هذا التميز المُشاهد في القطاع الصحي السعودي، إلاّ أن المشكلة التي ظلّت تواجه هذا القطاع وتؤرق القائمين عليه، هي مشكلة نقص الطاقة الاستيعابية للمراكز والمستشفيات الطبية، وقصورها عن الوفاء بمتطلّبات المواطنيّن الصحيّة، ويعود السبب الرئيس في هذه المشكلة إلى النمو السكاني الذي تشهده المملكة، والذي يُعتبر من أعلى المعدلات في العالم؛ وذلك بفضل الرعاية الصحية الأوليّة المتميّزة، إضافةً إلى الاستقرار المعيشي وارتفاع مستوى التعليم. وبحكم التخصص العلمي في جغرافيّة الخدمات الطبية، وكذلك الإدارة الصحية والمستشفيات، ومن واقع عملي في المجال الصحي والبيانات والإحصاءات الميدانية التي جمعتها أثناء استكمالي لأطروحة الدكتوراه في جامعة الملك سعود، والتي كانت عن موضوع العوامل المؤثرة في ارتياد المرضى لأماكن العلاج بمدينة الرياض، أدركت حجم هذه المشكلة وتحقّقت من خلال آراء المرضى أن الحاجة تتزايد إلى إنشاء أذرعة طبية جديدة تتواكب مع التطور والنمو السكاني الذي تشهده المملكة . وقد جاء القرار الملكي الأخير المتعلق بالقطاع الطبي، والذي جاء ضمن حزمة من القرارات الملكية التاريخية التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – وفّقه الله - في جمعة الخير والوطن، أقول جاء هذا القرار ليعيد رسم خارطة جغرافيّة الخدمات الطبية في المملكة، ويدشّن لمرحلة جديدة من التنمية الصحية في جميع مناطق المملكة، فالقرار تضمن تخصيص ستة عشر ملياراً لإنشاء وتوسيع خمس مُدنٍ طبيّةٍ ضخمة توزعت على مناطق المملكة، فالرياض عاصمة الوطن وقلبه النابض حظيت بنصيبها بإنشاء مراكزٍ متخصّصةٍ جديدة مثل مدينة الملك فهد الطبية، في حين حظيت العاصمة المقدسة بنصيبٍ وافرٍ من المراكز الطبية التوسعية الجديدة متمثّلةٍ في مدينة الملك عبدالله الطبية، أمّا المنطقة الشرقية فقد استبشرت بإنشاء مدينة الملك خالد الطبية، وجاءت مدينة الملك فيصل الطبية لتشكّل إضافةً طبية في المنطقة الجنوبية، أمّا مناطق المملكة الشمالية فقد حظيت بإنشاء مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الطبية، هذا التوزيع الجغرافي المُتوازن للمدن الطبية، إضافةً إلى ما اشتمل عليه القرار من إنشاء مراكزٍ للعناية المركّزة في المدن الطبية والمستشفيات التخصّصية والمرجعية في عددٍ من مُدن المملكة، واستكمال مُنشآت مستشفى الملك خالد التخصّصي للعيون بالرياض، يُؤذن بدخول القطاع الطبي السعودي مرحلة واعدة من الاكتمال، والمُضِي نحو الجودة والإتقان في تقديم الخدمات الطبية، وإذا استحضرنا التوسّع في إنشاء الكليّات الطبية في الجامعات السعودية وأعداد المُلتحقين بها من أبنائنا وبناتنا، إضافةً إلى المُبتعثين لدراسة العلوم الطبية ضمن برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، أدركنا جمال الصورة الواعدة التي تنتظر القطاع الطبي في المملكة، وازددنا اطمئناناً على مستقبل وطننا الذي يملك قيادةً تاريخيّة، تضع مصلحة الوطن وأجياله الحالية والقادمة في مقدمة اهتماماتها .. فهنيئًا للوطن والمواطن بهذه القيادة وأدام الله على هذا البلد نعمة الأمن والرفاهية والاستقرار. *مدير المراسم والعلاقات العامة والإعلام بمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون.