يعلق المواطن آمالا كبيرة على المشروع الوطني للرعاية الصحية المتكاملة والشاملة لإحداث نقلة جادة في الخدمة الصحية التي يتلقاها المريض، ومبعث هذا التفاؤل ما حملته دراسة المشروع الذي لا يزال يدرس في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، من خطة غير مسبوقة لإعادة هيكلة النظام الصحي بالكامل خلال خمس سنوات وبتكاليف تتجاوز 63 مليار ريال لبناء نظام رعاية صحية متقدم يعتمد على بنية تحتية متكاملة لكافة المرافق الصحية بدءا من مراكز الرعاية الأولية في القرى وصولا إلى المدن التخصصية المرجعية. مفهوم جديد وفقاً لدراسة المشروع التي شارك في إعدادها خبراء من الداخل والخارج يعتمد منهج المشروع على تحويل الاهتمام من التركيز على النظام الصحي المعتمد على المستشفى إلى التركيز على احتياجات المستفيد من الخدمة وجودتها، مما يمكن المستفيد من الحصول على سلسلة متصلة ومتكاملة وشاملة من الخدمات الوقائية والعلاجية والتشخيصية والتوعوية حين يحتاجها وبالشكل الذي يحقق مستوى عاليا من الجودة والمهنية التي يتطلع إليها ويحقق في نفس الوقت كفاءة عالية في توظيف الموارد اللازمة لتقديم تلك الخدمات. 5 نطاقات جغرافية يهدف المشروع إلى استكمال منظومة المرافق الصحية لتصبح بعد إنجاز المشروع 2836 مركزا صحيا و14 مستشفى طرفيا (أ) و104 مستشفيات طرفية (ب) و120 مستشفى عاما و62 مستشفى مركزيا و5 مدن طبية مرجعية تم توزيعها على خمس نطاقات جغرافية لخدمة كافة مناطق المملكة وهي (مدينة الملك فهد الطبية وتخدم النطاق الأوسط بمنطقتي الرياض والقصيم، ومدينة الملك عبدالله الطبية بمكةالمكرمة وتخدم النطاق الغربي بمنطقتي مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ومستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام ويخدم المنطقة الشرقية، وتطوير مستشفى الملك عبدالعزيز بالجوف ليخدم النطاق الشمالي بمناطق تبوك والحدود الشمالية والجوف وحائل، وتطوير مستشفى عسير التخصصي ليخدم النطاق الجنوبي بمناطق عسير وجازان ونجران والباحة). الوضع الراهن انطلقت فكرة المشروع وفقا للدراسة التي حصلت "الوطن" على نسخة منها بعد تزايد المخاوف حول قدرة شبكة وزارة الصحة للرعاية الصحية على تلبية احتياجات المجتمع السعودي في ظل عدم الرضا من المواطنين عن الخدمة الصحية والحصول عليها خاصة في المناطق الطرفية، وارتفاع معدلات الهجرة من القرى والهجر إلى المدن الرئيسية وازدحام المرافق الأساسية في المراكز الحضرية في ظل النمو السكاني المتزايد الذي لم يواكبه نمو في المخصصات المالية، إذ أشارت الدراسة إلى أن نصيب الفرد مما يصرف على الصحة في المملكة أقل بكثير مما يصرف في كثير من دول العالم (492 دولارا سنويا) ونسبة ما يصرف على الصحة من إجمالي الناتج المحلي أقل بكثير مما يصرف كذلك في كثير من دول العالم، حيث يبلغ الإنفاق الحكومي العام على الصحة 8.7% من الإنفاق الحكومي الكلي، في حين تتراوح هذه النسبة في بعض الدول بين 16.2% و21.8%، في الوقت الذي ارتفعت فيه كلفة الخدمات الصحية في المملكة كما هو واقع الحال في جميع دول العالم نتيجة للنمو السكاني المطرد، واتساع المناطق الحضرية، وزيادة الوعي الصحي، والتغير في أنماط الأمراض لتغير نمط الحياة مما ساهم في ارتفاع معدلات بعض الأمراض والإصابات مثل (الأمراض المزمنة، الأورام، الأمراض النفسية، حوادث السيارات) مما أدى إلى زيادة الطلب على الخدمات الصحية، فضلاً عن الزيادة المطردة في تكاليف الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية نتيجة للتطور التقني المستمر. نقص كمي ونوعي أكدت الدراسة أن النظام الصحي يعاني من النقص الكمي والنوعي في أعداد القوى العاملة من أطباء وممرضين والكوادر المتخصصة الأخرى والعجز الدائم والشديد في بندي التدريب والابتعاث بالإضافة إلى نقص في أعداد الأسرة في كثير من المدن الكبرى في المملكة والتفاوت في نوعية ومستوى الخدمات الصحية من منطقة لأخرى، نتيجة نقص الإمكانات المتوفرة والتجهيزات المستخدمة وعدم فاعلية القيادة والإدارة والقدرة على التخطيط في مستويات عدة في وزارة الصحة ووجود أكثر من 30% من مستشفيات الوزارة في مقار مستأجرة لا تفي بمتطلبات الخدمة العلاجية بالكفاءة المناسبة وانخفاض عدد مراكز الرعاية الصحية الأولية نسبة إلى عدد السكان وعجز بند الأدوية والمستلزمات الطبية. وضعف البنية التحتية واللوجستية لنظام النقل الإسعافي بين المنشآت الصحية. رؤية وزارة الصحة يقول وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة في تقديمه للمشروع "إن الرعاية الصحية في المملكة تعتبر أحد أهم أولويات الدولة الاستراتيجية، وتنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن تكون خدمة المواطن وسهولة حصوله على أفضل خدمات صحية، هي مرتكز أهداف وزارة الصحة، فقد رأت الوزارة قيام فريق من كبار المسؤولين فيها بمراجعة ودراسة ما قدمته الوزارة سابقاً وما تم تحقيقه من إنجاز، ومراجعة وتحليل الوضع الراهن للرعاية الصحية بالمملكة، فضلاً عن دراسة التجارب الدولية، ومن ثم وضع التصور لما ستكون عليه خدمات الوزارة مستقبلاً في ظل المتغيرات في الجوانب الاقتصادية والديموغرافية والمرضية في المملكة والعالم أجمع، والتطورات الطبية والتكنولوجية في المجال الصحي وأنظمة الاتصال والمعلومات"، معتبرا أنه "من هذا المنطلق وتمشياً مع التوجه العالمي، فقد تم الأخذ بمنهج الرعاية الصحية المتكاملة والشاملة لما سوف يحققه من سهولة الحصول على الخدمات، وتكامل وشمولية هذه الخدمات المقدمة، وذلك بجودة وكفاءة عالية"، مبينا أنه "جاءت هذه الدراسة نتيجة لجهد ومرئيات العديد من الأطراف في مقدمتهم كبار المسؤولين في وزارة الصحة ومديريات الشؤون الصحية، واللجنة الصحية في مجلس الشورى، كما تم عرض المشروع ودراسته مع خبراء من مستشفى كليفلاند وجامعة هارفارد في الولاياتالمتحدة الأميركية، وأحد مكاتب الخبرة المحلية". هيكلة شاملة يهدف إطلاق مبادرة الإصلاح الشامل للرعاية الصحية الأولية لاستحداث 750 مركزا صحيا وبناء منشآت جديدة لمراكز الرعاية الصحية التي تملكها وزارة الصحة، وإعادة تنظيم نطاق الخدمات لأكثر من 2000 مركز للرعاية الأولية بما يراعي الاختلافات في التجمعات السكانية والطبيعة الجغرافية والاحتياجات المحلية لكل منطقة على حدة. تصفية المستشفيات الصغيرة ستتمكن الوزارة بفضل هذه الهيكلة المنتظرة من التخلص من الكثير من الهدر في الموارد المالية التي يتم صرفها على تشغيل المستشفيات الصغيرة (50 سريرا) والتي تمثل 43% من مستشفيات الوزارة وما مجموعه 16% من عدد الأسرة حيث إن نسبة إشغال هذه المستشفيات منخفضة جدا ولعل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك هو عزوف المواطنين عن استخدام هذه المستشفيات لتواضع مستوى الخدمات الطبية المقدمة فيها وعدم تواجد الاستشاريين، حيث ستتم تصفية المستشفيات الصغيرة، بتحويل 14 منها إلى مستشفيات طرفية "أ" تقدم خدمات المستشفى العام، وتحويل 104 مستشفيات منها لمستشفيات طرفية "ب" تقدم خدمات المركز الصحي. وتهدف إعادة هيكلة المستشفيات لجعلها جزءا من منظومة متكاملة من المرافق الصحية يتم تنظيمها رأسياً وأفقياً بما يمكن مختلف مستويات الرعاية الصحية من التكامل والتناغم مع بعضها البعض في كل منطقة من ناحية وعلى المستوى الوطني من ناحية أخرى خاصة على مستوى خدمات المستشفيات المرجعية (المدن الطبية) بما يحقق تكامل وشمولية الخدمة للفرد والمجتمع ويعمل على تحقيق التوظيف الأمثل للموارد المتاحة. تطوير الإسعاف تشمل الأهداف الرئيسية للمشروع أيضا، إعادة تصميم وتوزيع مراكز الرعاية الأولية والمستشفيات والمراكز المتقدمة على نحو أفضل لتلبية احتياجات السكان، والتركيز على تحسين الاتصال بين مقدمي الرعاية في المستويات الثلاثة، وتعزيز النقل الإسعافي بين المرافق الطبية ب1784 سيارة إسعاف و7232 مسعفا، وإيجاد ملف إلكتروني موحد للمريض، واعتماد لا مركزية لإدارة الرعاية الصحية بالإضافة إلى تطوير المنشآت القائمة لتقدم خدمات صحية أكثر تقدماً وتطوراً وتدعيم المدن الطبية القائمة بإنشاء مركز أورام (سعة 250 سريرا) بمدينة الملك فهد الطبية بالرياض، وإنشاء سكن متكامل بمدينة الملك عبدالله الطبية بمكةالمكرمة وتجهيزه، وإنشاء مركز أورام (سعة 200 سرير) بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام وزيادة عدد الأسرة لتحقيق المعدلات المطلوبة. 4 خطوط للخدمة يعتمد نظام الرعاية الصحية المتكاملة على تقديم خدمات صحية وقائية وعلاجية تربط بينها خطوط تنظيمية لتقديم هذه الخدمات وليست مستويات للفصل بينها وهذه الخطوط هي: الخط الأول، وتمثله مراكز الرعاية الصحية الأولية ويشترط فيها أن تكون منتشرة وقريبة من التجمعات السكنية وتقدم خدمات الرعاية الصحية الأولية للمواطنين داخل نطاقها الجغرافي. الخط الثاني، وتمثله المستشفيات العامة والمستشفيات الطرفية (أ، ب). الخط الثالث، ويشمل المستشفيات المركزية، وتقوم هذه المستشفيات بتقديم الخدمات التي تقدمها المستشفيات العامة بالإضافة إلى بعض خدمات المستوى الثالث. الخط الرابع، وتمثله المستشفيات المرجعية (المدن الطبية) ويبلغ معدل الأسرة المستهدفة للمستشفيات المرجعية 0.6 سرير لكل مواطن، والمستهدف الوصول بها إلى 5 مستشفيات مرجعية، وتقدم هذه المستشفيات الخدمات التخصصية المتقدمة. الملف الطبي الإلكتروني كما يتضمن المشروع تطوير برنامج المعلومات الصحية والصحة الإلكترونية وإنشاء وتجهيز المركز الوطني للمعلومات الصحية، ويشمل إنشاء مبنى المركز الوطني للصحة الإلكترونية في مدينة الرياض، ومركزين مساندين في كل من مدينتي جدة والدمام، ومشروع نظام المعلومات الصحية لمستشفيات وزارة الصحة حيث إن معظم المستشفيات التابعة لوزارة الصحة ما زالت تعتمد على التعاملات الورقية، والمستشفيات التي تمت ميكنتها قاصرة جداً عن المشاركة بالمعلومات، مما جعل الاتصال والتواصل في بيئة المعلومات الصحية محدودا للغاية، بما أدى إلى مضاعفة الجهود وتكرار الإجراءات فقد تأثر تخطيط الخدمات الصحية سلبياً لنقص التكامل بين الأنظمة الصحية المطبقة حالياً في بعض المستشفيات ويهدف هذا المشروع إلى إدخال أنظمة إدارة المستشفيات الموحدة لمستشفيات وزارة الصحة والمراكز الصحية التابعة لها، حيث سيتم نشر هذه الأنظمة في المنشآت الصحية بوزارة الصحة على مراحل خلال فترة المشروع ويتوقع أن يحقق هذا المشروع عدداً من الفوائد من بينها تحسين الخدمات الطبية، وزيادة مستويات الأداء والإنتاجية، والحد من المشكلات الناتجة عن نقص الأدوية، وتقليل العبء على موازنة الدولة من خلال تخفيض تكاليف العلاج وتسهيل نقل المعلومات الصحية وتوثيقها بين الجهات الطبية المختلفة وإنشاء شبكة اتصالات الصحة الإلكترونية لمرافق وزارة الصحة حيث إنه في الوقت الذي يراجع فيه ملايين المرضى المستشفيات والمراكز الصحية في المملكة سنوياً، إلا أنه لا يوجد ربط شبكي بين هذه المرافق لتبادل المعلومات الصحية للملف الطبي الموحد الذي يمكن تناقله بين الجهات الصحية المختلفة ويهدف المشروع إلى تجهيز مركز مراقبة وتحكم لشبكة اتصالات المعلومات، وربط المراكز الصحية والمستشفيات ومديريات الشؤون الصحية وتوابعها وديوان الوزارة بمركز المعلومات الوطني للمعلومات الصحية. يشار إلى أن وزارة الصحة تقدم 60% من الخدمات الصحية في المملكة في حين تقدم القطاعات العسكرية والحكومية الأخرى 20% في حين تقدم مستشفيات ومراكز القطاع الخاص 20%. ومن المتوقع أن يبلغ عدد سكان المملكة العربية السعودية حوالي 32 مليون نسمة بحلول عام 1441 وتتوقع الدراسة ارتفاع متوسط العمر وتزايد أعداد المسنين فوق سن 60 سنة ليشكلون 6.7% مقارنة بنسبتهم الحالية البالغة 4.6% مما سيتطلب زيادة كبيرة في متطلبات الإنفاق على الخدمات الصحية المقدمة من قبل الدولة.