نستطيع في المملكة العربية السعودية أن نأكل نصف ما نأكله اليوم. نشبع بنفس مستوى الشبع الذي نشبعه اليوم. أعجبتني كلمة وردت في خبر نشر في هذه الجريدة يوم الأربعاء الماضي. يقول فيه مؤلفه أن الخبازين قد يرفعون أسعار الخبز بسبب الاستهلاك الجائر. الاستهلاك الجائر كلمة معبرة. الخبز في المملكة لا يعد جزءاً من الأطعمة الأساسية. كأنه قرطاس أو فوطة يلف بها الطعام فقط. فهو تابع للمرق والفول والحمص الخ.مجرد مغرفة نخرج بها الأكل السائل مثل المرق حتى لا يرشح من بين أصابعنا. إذا طلبت صحن بامية لشخص واحد لا يحتاج أن تذكر الخبز. ستجد في الكيس بشكل تلقائي كمية من الخبز تكفي ثلاثة أفراد. ألاحظ دائما أن الخبز على المائدة وخاصة في المطاعم أكثر بكثير مما تحتاجه. في مطاعم الفول والقلابة سترى الجرسون يدور بالخبز وينطله في سلال الزبائن دون ترو أو تبصر كأنه يلقي بشيء لا قيمة له. في الواقع الخبز في بلادنا لا قيمة له.. لا أحد يقدره ولا يهتم به إلى درجة أن غابت الناحية الدينية الايمانية عند التعامل مع الطعام. في كل مرة آكل في مطعم أو تأتي طلبية من مطعم، أول شيء ألاحظه هو الهدر في الخبز. لا ينافسه في تدني قيمته عند الناس سوى ماء الحنفية والبنزين. لك أن تتخيل كيف هي المعايير التي تحكم السلوك الاقتصادي في مجتمعنا. مستقبل العالم يقوم على هذه المواد الثلاث.الطاقة والخبز والماء. يكاد يجمع الخبراء في العالم على أن حروب المستقبل ستكون بسبب هذه المواد. الأمر ليس جديدا. تصارع البشر على الخبز والماء منذ فجر التاريخ. لم تفتني قراءة التعليقات التي تبعت النص الصحفي. ركزت على تلميحات رفع الأسعار. كثيراً منها تتجه نحو التشكيك في نوايا أصحاب المخابز. بعضهم صرح أن الهدف هو الالتفاف على هدية خادم الحرمين (راتب الشهرين). هنا نقطة مهمة جدا. الحقائق على الأرض لا يمكن تجاهلها. يدعي أصحاب المخابز ارتفاع أسعار المواد الأولية. لا نحتاج إلى خبراء من البنك الدولي لنتأكد من ذلك. يستطيع نفس الصحفي ببحث صغير أن يثبت أو ينفي كلام الخبازين. لكن القضية ليست في الاستغلال والرغبة في الانقضاض على مكتسبات الناس. هناك استخدام جائر للخبز. تستطيع أن تعرف ذلك من أي مائدة سوى في مطعم أو في بيت. سترى كمية الخبز المتجه إلى كيس القمامة. نحن جزء من العالم. نحتاج إلى رفع حس المسؤولية عند مواطنينا. لا يمكن أن نترك الثقافة النفطية تسيطر على وعينا, تسفه قيمنا الإنسانية إلى ما لانهاية. الخبز والماء والبنزين ليست لنا وحدنا. ثروة تهم وجود الإنسان كإنسان على الأرض. يفترض في كل مواطن أن يعمل على المستوى المحلي وأن يفكر على المستوى العالمي. حق الإنسان في العيش الكريم لا يتعارض مع الإحساس بالمسؤولية وإذا تعارضا في أي وقت، فهذا يعني أن هناك خللاً خطيراً في الثقافة نفسها.