كان الحوار عنوانه الخيبة ؛ حيث تحدث مع أصدقائه كثيرا عن همومه في العمل وآماله التي صقلتها الخيبات، وكيف تعلم بعد تجارب كثيرة ومتتابعة أن يغمض عينيه ويدير وجهه ويتلهى بأي شيء حتى لا يفقد أعصابه. فنظام العمل حيث هو لا يتعامل مع التسيب، ويشجع الشللية والمحاباة والعلاقات الشخصية والمزاجية في تطبيق القوانين. هذه وجهة نظره الشخصية التي قد تكون حيادية أو منحازة قليلا خاصة حين ننظر لكمّ الإحباطات التي واجهها. اشتد الحوار ليخرج من الدائرة الفردية إلى مناقشة مفاهيم عامة، أهمها الإخلاص في العمل وإتقانه، وارتفعت التعليقات؛ فأحدهم يقول إن الإخلاص في العمل في بيئة عمل استشرى فيها الفساد لن يؤدي بصاحبه إلى أي نتيجة بل سيزيد من عزلته وسيصبح صاحبه شاذا عن القاعدة، لذلك لابد من تطبيق مفهوم "المرونة المطاطية والمسايسة وتذكر المثل المشهور البس ما يعجب الناس!". والآخر يرتفع صوته قائلا: لكن ما أدراك أنك الوحيد المخلص؟ لماذا تعتقد أنك على صواب وهم مخطئون؟ وهذا بيني وبينكم سؤال وجيه، فلمجرد أن شخصاً ما يصف نفسه بالطيبة فإن هذا لا يعني أننا سنصدقه مالم نتعامل معه، ونكتشف أخلاقه الطيبة! أكمل صاحبنا سؤاله قائلا: وما أدراك أن طريقتك في العمل هي الصحيحة؟ قد تكون أنت المخطئ وهم المصيبون؟ ليجيب الآخر بقائمة من الأدلة بصيغة أسئلة قائلا: هل عدم الإنتاجية يعني الإخلاص في العمل؟ هل التغيب الدائم والتحايل على النظام حتى يحسب الغياب حضورا يصنف من ضمن الإخلاص؟ هل تعطيل العمل وتأخيره هو الهدف من الوظيفة؟ استمر حوار الأسئلة ليقول الآخر؛ لكن هؤلاء الذين تتحدث عنهم موجودون ويشاركونك العمل، وتشملهم الترقيات ويتطورون سنويا ويكبرون ويكافأون! فلابد أن ما يقومون به فيه شيء من الصواب! واستمر الحوار، وكل من المتحدثين يأتي بأدلة وإثباتات وأمثلة من مكان العمل عن "فلان وعلان"، فهما يعملان في نفس المكان ويشاهدان نفس التصرفات، لكن لكل منهما وجهة نظر وإن بدت مختلفة فهي متشابهة في خيبتها فالأول محبط والثاني وصل لمرحلة اصبح فيها الخطأ صوابا خاصة وأن أمامه أمثلة حية تكافئأ على تسيبها وعدم التزامها، لذلك أصبح يراجع مبادئه ويفتقد كل حماس كان يدفعه للإخلاص. قد يعبر حديث صاحبينا عن حالات فردية وليست حالات مستشرية، وقد يكون حديثهما مبالغا فيه، لكن هذا يدفعنا لسؤال كيف يمكن تطوير أنظمة العمل للقضاء على التسيب بكل أوجهه المختلفة؟