تحتل قضية الأمن الغذائي أولوية قصوى في دول مجلس التعاون الخليجي، ولا تتوقف المحاولات لوضع حلولا ملائمة لتقليل الاعتماد على الخارج في سد الفجوة والحد من آثارها السلبية على المجتمعات. وحسب تقرير اقتصادي تتلخص أسباب اتساع الفجوة الغذائية في الخليج التي تصل لأكثر من 15 مليار دولار سنويا في محدودية التنسيق وعدم إقامة مشروعات مشتركة في المجال الزراعي، وغياب استخدام التقنيات والأساليب الحديثة ومحدودية الأراضي المتاحة، وقلة توافر المياه، فضلا عن الظروف المناخية القاسية. ودعت الدراسة التي أصدرها اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي إلى ضرورة قيام دول التعاون بجهود مشتركة لسد الفجوة في المواد الغذائية، واعتماد استراتيجية خليجية موحدة لتحقيق التكامل الزراعي الأولي والصناعات الغذائية. مطالب لدول الخليج بدعم المنتج المحلي والاستثمارات الخارجية لتحقيق الأمن الغذائي مدير إدارة الاتصال وخدمة المجتمع في جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية محمد جلال الريايسة يسلط الضوء في حواره مع "الرياض" على السياسة الغذائية التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي والأسباب الرئيسية وراء الارتفاع الكبير في الطلب على الأغذية في دول المجلس. * في البداية، ما التحديات التي واجهتها دول الخليج فيما يتعلق باستيراد الأغذية؟ - أبرز التحديات كانت أزمة القمح الروسية والفيضانات التي اجتاحت باكستان وأعمال الشغب في موزمبيق وارتفاع أسعار المواد الغذائية في الهند والصين مصحوبة بالتضخم السكاني الكبير. * ما أهم الأسباب الرئيسية وراء الارتفاع الكبير في الطلب على الأغذية في دول المجلس؟ - زيادة الطلب على الغذاء مرتبط بزيادة عدد السكان، وهذا الطلب سيستمر بالزيادة، مما يدعونا لتوحيد الجهود فيما بيننا كدول مجلس تعاون للتواصل والوقوف في مواجهة تلك المشكلة، فانخفاض المحاصيل الزراعية وطبيعة المناخ في المنطقة، كلها عوامل أدت إلى ارتفاع الطلب على الأغذية في دول المجلس، لذا علينا تشجيع مؤسسات القطاع الخاص والوطنية على الاستثمار في المجالات التي تعزز الأمن الغذائي، سواء عبر التوسع في الاستثمار الزراعي محلياً وإقليمياً أو عن طريق الدخول في شراكات عالمية في مجال الصناعات الغذائية، ويجب أن أشير هنا إلى أن معرض "سيال" لعب دوراً مهماً في تهيئة البيئة المناسبة لتعزيز دور القطاع الخاص الخليجي عبر التقائه مباشرة مع كبار اللاعبين في هذا المجال. * ما الطريقة التي يمكن من خلالها تطوير سياسة غذائية متكاملة لدول الخليج؟ - من أهم الأساسيات التي شهدناها في المؤتمر الوزاري الذي عقد خلال معرض سيال، الترابط بين دول مجلس التعاون الخليجي وتنسيق السياسات الغذائية فيما بينهم وخلق لغة تواصل تضع الجميع في صورة آخر الإجراءات المتخذة في سبيل التطوير والنهوض في مجال الأمن الغذائي الخليجي. ومن خلال تبني إعلان أبوظبي ساهمنا في أن يكون هناك خارطة طريق واضحة للجان الخليجية العاملة في هذا المجال، مما يسهل الترابط والتكامل بين دول المجلس وهذا من شأنه نقل المعلومات الواردة لهذه الدول بشكل سلس ومفيد لجميع المستهلكين. * ناقشتم المعايير المشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بتقييم مخاطر وسلامة الغذاء والتغذية، هل توصلتم الى نتائج او حلول؟ - موضوع السلامة الغذائية ووصول الغذاء بكميات كبيرة يدفعنا لإتباع أفضل الممارسات المعمول بها عالمياً لمواجهة المشكلات المتعلقة بسلامة الغذاء، وتبادل المعلومات فيما بين دول المجلس سيعزز هذه المهمة بشكل كبير. ومن الحلول التي توصلنا إليها رسم خارطة طريق للتعاملات بين دول المجلس. * ما النتائج التي خرج بها اجتماع الوزراء الخليجيين في نوفمبر الماضي؟ - تواجد وزراء دول مجلس التعاون في الاجتماع الوزاري الذي عقد بالتنسيق مع وزارة البيئة والمياه في دولة الإمارات يعكس اهتمام قيادات دول المجلس في مجال الغذاء والسلامة الغذائية وحرصهم على وضع سياسات مشتركة للأمن الغذائي، وقد نتج عن الاجتماع، إعلان أبوظبي للأمن الغذائي الذي تعهد فيه الوزراء بتعزيز التعاون بين دول المجلس لتحقيق الأمن الغذائي من خلال خطط واستراتيجيات وطنية وإقليمية، في إطار السياسة الزراعية المشتركة والعمل على تطوير وتطبيق تشريعات محوكمة ومبنية على أسس علمية تتوائم مع أفضل المعايير والممارسات الدولية، وزيادة الإنتاج الزراعي وتحسين معدلاته باستخدام أفضل الممارسات العالمية والتقنيات الحديثة بناء على الميزة النسبية للسلع الزراعية، مع ضرورة الأخذ بالاعتبارات البيئية، والاستخدام الأمثل للموارد، وصون الموارد الطبيعية، وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتنمية القطاع الزراعي والصناعات الغذائية وتسويق المنتجات الزراعية من خلال توفير المناخ الاستثماري المناسب. تشجيع قيام بنوك وطنية للبذور للاستفادة من الأصناف المتوفرة في تطوير النهضة الزراعية بدول المنطقة وضمان عدم فقدانها، وربط البنوك الوطنية بشبكة إقليمية متطورة، ودعم الأنشطة القائمة لتطوير نظم رقابية إقليمية متكاملة ومتجانسة في مجال الرقابة والتفتيش الغذائي وفقاً لأفضل الممارسات الدولية، والمستندة الى مبدأ إدارة المخاطر، وبما يتوافق مع الالتزامات المنصوص عليها باتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وتعزيز البنية التحتية التي تخدم الأمن الغذائي وتعزز السلامة الغذائية، بما في ذلك المختبرات والحجر الزراعي والبيطري، وتعزيز القدرات البشرية في المجالات الزراعية والغذائية المختلفة، وإنشاء نظام إقليمي للإنذار المبكر بشأن الأغذية والأعلاف لتبادل المعلومات والبيانات عبر شبكة تربط السلطات الرقابية المعنية بسلامة الغذاء في الدول الأعضاء، وتعزيز الاهتمام بالدراسات والبحوث العلمية الخاصة بالأغذية والزراعة، خاصة المتعلقة بالحد من تأثيرات ظاهرة تغير المناخ على القطاع الزراعي وقطاع الموارد المائية بدول المجلس، والعمل على تطوير الأصناف النباتية التي تأقلمت والظروف المناخية الصعبة في المنطقة للاستفادة منها في البرامج الوطنية للتكيف مع تغير المناخ، وتطوير الاستراتيجيات والخطط والبرامج التثقيفية للتصدي لظاهرة الاستهلاك غير المستدام للمواد الغذائية، ونشر وتعميق ثقافة الوعي بالأغذية الصحية لكافة فئات المجتمع، خاصة تلاميذ المدارس، وتعزيز التعاون مع كافة المنظمات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالأمن الغذائي، وتعزيز قدرة منظمات الأممالمتحدة ذات الصلة بالأمن الغذائي، وفي مقدمتها منظمة الأغذية والزراعة، وتأييد الإصلاحات الخاصة بلجنة الأمن الغذائي العالمي التي تشكل عنصراً أساسياً في جهود تطوير الشراكة العالمية والتنسيق الاستراتيجي في مجال الزراعة والأمن الغذائي والتغذية. الريايسة يكشف عن خطة للأمن الغذائي * ما الرؤية التي يقترحها جهاز أبوظبي للرقابة لضمان تحقيق الأمن الغذائي في دول الخليج؟ - يعمل الجهاز تماشياً مع رؤية أبوظبي 2030، الرامية إلى تحقيق الأمن الغذائي من خلال العمل على ضمان سلامة الغذاء وتأمين إمدادات الغذاء للإمارة والتنمية البيئية المستدامة لقطاع الزراعة، كما أننا نولي أهمية كبيرة للمجتمع من خلال دعم المنتج المحلي والاستثمارات الخارجية سعياً للوصول للأمن الغذائي، وهذا هو الطريق الأمثل الذي على دول الخليج اتباعه لضمان تحقيق الأمن الغذائي بالإضافة للسعي إلى تطبيق أفضل الممارسات العالمية في مجال الرقابة الغذائية، والتواجد في الفعاليات والاطلاع على آخر الأبحاث في مجال الغذاء والأمن الغذائي، والاستفادة من تجارب وخبرات الدول الأخرى. * بدأت أبوظبي مؤخرا مشروع ترقيم الثروة الحيوانية في الامارة، هل توجد رؤية لتعميم تلك الفكرة على دول المجلس؟ - نحن في جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية نؤمن بالتكامل مع إخواننا وأشقائنا في دول مجلس التعاون، وتبادل النجاحات في مختلف التخصصات من شأنه أن يقوي أطر التواصل بين هذه الدول، للتقارب الكبير بين دولنا اجتماعيا وجغرافياً وتاريخياً، فنحن على أتم الاستعداد للتواصل مع إخواننا في دول الخليج لتقديم المشورة والعون لهم لتنفيذ مثل هذا المشروع. * تشير آخر التقارير لمنظمة الفاو الى ان دول الخليج تعاني من فجوة غذائية تسبب في استيرادها 80% من حاجاتها الغذائية، ما ردكم على هذه النسبة؟ - هناك حاجة كبيرة لاستيراد الغذاء في المنطقة لذلك وضع الجهاز في أولوياته موضوع الأمن الغذائي، حيث قمنا وبالتشارك مع البنك الدولي بوضع الخطط الكفيلة بذلك وسعينا إلى العمل على التطوير الداخلي والانتقاء الخارجي، بالتدقيق على المواد المستوردة، فالمواد الغذائية المستوردة يجب أن تخضع لمعايير الجودة العالية ولا يسمح بدخول أي مواد غذائية ذات جودة متدنية، حيث قام قسم مراقبة المنافذ الحدودية في الجهاز خلال العام المنصرم برفض دخول 1220178 كلغم من المواد الغذائية المستوردة لعدم تناسبها مع معايير الجودة المعمول بها وتم في نفس العام إتلاف 473176 كلغم من الأغذية لنفس السبب، أما داخلياً فنحن نسعى دائماً إلى توفير الدعم اللازم وتسهيل السبل لأصحاب المؤسسات الغذائية في أبوظبي، كما أننا نقوم بكل ما من شأنه تنمية الثروة الحيوانية والزراعية في الإمارة للوصول لمرحلة جيدة من الأمن الغذائي. * ما الهدف من وثيقة الأمن الغذائي التي اطلقت العام الماضي في أبوظبي؟ - جاء إعلان أبوظبي ليكون بمثابة خارطة طريق للتطبيق والتأكيد على التزام دول المجلس بأهداف التنمية المستدامة، والأهداف التنموية، لا سيما ذات الصلة بمكافحة الفقر والجوع، كما تضمنت الوثيقة التوصيات الفرعية للجان المعنية بالسلامة الغذائية في دول المجلس المكملة لإعلان روما عام 1996 بشأن الأمن الغذائي العالمي وإعلان الرياض عام 2008 لتعزيز التعاون العربي لمواجهة أزمة الغذاء العالمية، وإعلان القمة العالمية عام 2009 بشأن الأمن الغذائي العالمي، وإعلان الكويت عام 2009 الصادر عن القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، والقرارات الصادرة عن منظمة المؤتمر الإسلامي حول الأمن الغذائي والتنمية الزراعية. * ما أهم النشاطات والفعاليات والأبحاث العلمية التي يعتزم جهاز الرقابة الغذائية القيام بها هذا العام؟ - نعد العدة لاستضافة معرض سيال للمرة الثانية، وهناك العديد من المعارض والمهرجانات مثل مهرجان الإمارات الدولي للنخيل والتمور، كما أننا سنشارك في كثير من الفعاليات التي تركز على نواحي تعالج بعض المشاكل التي لها علاقة بالسلامة الغذائية، والتي تقدم أيضاً حلولاً للمشكلات الزراعية وأبحاثاً عن الغذاء والثروة الحيوانية. * ما خطة الجهاز خلال عام 2011؟ - تتمثل الخطة في مواكبة أحدث الممارسات الدولية في مجال الزراعة وسلامة الغذاء بغية تطوير الحياة النوعية للجمهور مما يساهم في رفاهية المجتمع، وإحداث التوازن بين حماية المستهلك وتسهيل حركة التجارة، وانطلاقاً من رسالة الجهاز بضمان غذاء آمن وصحي، وتطوير بنية تحتية تشريعية تهدف إلى وضع السياسات العامة والتشريعات الهادفة لحماية صحة المستهلك، بآليات عمل تعتمد الشفافية والنزاهة في تنظيم العمل المؤسسي، وتوضيح الدور الرقابي ومسؤولية القطاع الخاص، وقد جاء وضع التشريع الأول والأهم وهو قانون الغذاء لإمارة أبوظبي والذي صدر رسمياً في 20 يناير 2008، لتكون بذلك إمارة أبو ظبي صاحبة المبادرة على المستوى الوطني، ومن الأوائل على المستوى الإقليمي في وضع القاعدة التشريعية الأساسية في مجال سلامة الغذاء. بخصوص تعاوننا مع اخواننا في الدول العربية والخليجية فإن تواصلنا معهم مستمر وبشكل دائم وذلك من خلال وزارة البيئة والمياه والتي تمثلنا في مختلف المحافل الدولية ذات العلاقة. * ما الاجراءات التي تتخذها أبوظبي ودول الخليج عامة للرقابة الغذائية في مجال الأمن الغذائي؟ - بداية يجب أن نشير إلى عنصر مهم هنا وهو دعم الدولة لنا، مادياً بتوفير ميزانيات ضخمة للمشاريع التي وضعها الجهاز ومعنوياً من خلال متابعتهم لنا وإيمانهم بأن تنمية المصادر الغذائية في الدولة وجودة وسلامة الغذاء من أهم عناصر الوصول للأمن الغذائي، وانطلاقا من ذلك قمنا في جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية بوضع تشريعات والاستفادة من التشريعات المعمول بها في أوروبا والدول المتقدمة الأخرى ووضع قوالب عمل لتطبيقها على أكمل وجه، كما أننا قمنا بربط الجهاز بكافة التخصصات والممارسات من خلال توفير المختبرات ومراكز التفتيش والإدارات اللازمة. كما أنّ لاستقلالية الجهاز المالية والإدارية دورا فعّالا في إعطائه سلطة مستقلة على المؤسسات الغذائية بقوة القانون، وعمدنا إلى توعية المؤسسات والأفراد ذوي العلاقة قبل سن القوانين ومن ثم إلزامهم بها. ويجب ألا نخفي دور المؤسسات الغذائية التي دعمت الجهاز مما ساهم في الوقوف على المشكلات التي تواجه هذا القطاع ومنع تفاقمها، فكان هذا من أساسيات التطوير. أضف إلى ذلك اتباعنا مبدأ الشفافية مع وسائل الإعلام في نشر أسماء المنتجات والمؤسسات المخالفة دون خوف من أحد، فالمستهلك بالنسبة لنا يعتبر خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه.