ليست وكالة الضمان الاجتماعي هي الجهة الوحيدة التي تقدم المساعدات المادية والعينية لفقراء المملكة، بل إنها تعد أقل الجهات الخيرية عطاء في هذا المضمار، وبالطبع إذا ما قورنت بحقيقة وجود (578) جمعية خيرية و(89) مؤسسة خيرية، و(161) جمعية تعاونية و(340) لجنة تنمية اجتماعية أهلية، إضافةً إلى (31) مركزاً للتنمية الاجتماعية، تقدم جميعها خدمات مشابهة في أنحاء المملكة، لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يوجد تنسيق فعلي بين كل هذه الجهات لتقديم خدمة لأكبر عدد من دون ازدواجية؟، وماذا لو بادرت وزارة الشؤون الاجتماعية بإنشاء هيئة تنسيقية مع الجهات التي تتقاطع أو تلتقي معها في مهمة محاربة الفقر ومساعدة المحتاجين؟. إشكالية وطنية! تقول «د. هيا المنيع» - أستاذ التخطيط الأجتماعي المساعد بجامعة الأميرة نورة: بداية أخشى أنها إشكالية وطنية عامة، وليست خاصة بروافد الخير لاحتواء الفقر، فغياب التنسيق جعلنا نعاني البطالة، فمثلاً تعج مؤسساتنا الحكومية بغير المواطنين، وبملفات الوظائف المختبئة، ليس خجلاً بل انتظاراً للأحباب المحظوظين، مضيفةً: «نحن في حاجة أن نحدد من هو الفقير ومن يستحق الإعانة، نحن إلى الآن لم نحدد خط الفقر، الأمر الذي أدى إلى اختلاط المفاهيم عند كثيرين، بل وأدى إلى أن يعتقد بعضهم أنه فقير لأنه لا يستطيع شراء أكثر من جوال!، بينما هناك من يشك أنه فقير مع أنه يجد صعوبة في تلبية احتياجات صغاره من طعام وملبس». د. هيا: التنظيم غائب! مشيرةً إلى أننا نحتاج كمجتمع إلى أن نتساءل: أموال الزكاة ممثلة في مصلحة الزكاة أين تذهب وكيف تُصرف؟، نحتاج إلى أن تكون تلك الأموال ضمن منظومة الدعم الفعلي للقضاء على الفقر في المملكة، وأن يتم توزيعها وفق أسس علمية محددة، فهذا من شأنه مع مخصصات الضمان الاجتماعي أن يقضي على الفقر، وبالتالي توجه جهود المؤسسات الأخرى إلى الرفع من مستوى معيشة الآخرين، وتوجيه جهودها إلى القضاء على الفقر في الجوانب المعنوية، التي قد تكون أحياناً سبباً في الفقر المادي. توحيد الجهود وأكدت «د. هيا المنيع» على أننا نحتاج أن نوضح ذلك للجميع، ومن ضمن الجميع تلك المؤسسات التي انتشرت وفق خريطة عشوائية، من دون أن تحل مشكلة الفقر في دولة غنية، مبينةً أن روافد العطاء كثيرة ونحتاج لكي تتوحد جهودها، وأن تعمل تحت مظلة وزارة الشؤون الاجتماعية بشكل كامل وليس اشرافيا فقط، أي أن يكون المستفيدون أرقاماً الكترونية يتم حصرها في نظام واحد، من دون الحاجة للإكثار من الهيئات التنسيقية، لافتةً إلى أن ادخال اسم المستفيد لا يكفي بل هو مدعاة للازدواجية، خاصةً أن أسماءنا تتشابه، ذاكرةً أننا بحاجة لضبط المستفيدين وأيضاً ضبط مؤسسات الخير، بحيث لا تخضع لثقافة الشكل، والأدهى أن بعضهم يعطي حسب رضاه عن مظهر المستفيد من دون تمعن في استحقاقه الفعلي. لطيفة: الحل في تنسيق الجهود أموال الزكاة وأضافت أننا نعاني من الإزدواجية، لأننا نعاني أساساً من عدم التنظيم ومن عدم احترام النظام، والإشكالية ليست حصراً على المستفيد، بل وأيضاً المؤسسات التي عليها أن تكون في مجموعها منظومة خيرية واحدة، ناصحةً باختصار تلك المؤسسات في أعداد أقل، على أن ترفع كفاءة أدائها، مع ضرورة أن يعاد النظر في بعض ضوابطها، مبينةً أننا نحتاج أن نعرف الى أين تذهب أموال مصلحة الزكاة الرافد المجهول دوره في مكافحة مشكلة الفقر؟، ويكفي أن نوضح أن مؤسسات العمل الخيري تفوق في عددها (500) مع مكاتب الضمان الاجتماعي، وأيضاً الصناديق الأسرية، ومع ذلك صوت الفقر يرتفع!. جهات تكاملية وقالت «لطيفة أبو نيان» - المديرة العامة للإشراف النسائي الاجتماعي بالرياض: إن التعدد في الجهات المانحة هو ما يمكن أن نطلق عليه جهات تكاملية، أي بعضها يكمل عمل بعض، مضيفةً: «إذا قدم الضمان الاجتماعي الدعم المادي للمستلزمات والاحتياجات اليومية، فإن دور الجمعيات الخيرية يكون بتقديم المسكن اللائق للمحتاجين والفقراء، لذا فإن ازدواجية الجهات المانحة قد يصبح مقصوداً في بعض الأحيان، ولكن من جهة أخرى فإن كافة الجهات التي تعطي هي بالضرورة تابعة لوزارة الشئون الاجتماعية، وإذا كنت لا أجزم بوجود تنسيق بنسبة (100%) بين هذه الجهات، إلاّ أنني أعلم يقيناً أن الوزارة على وشك الانتهاء من تنسيق هذا العطاء، عبر تأمين قاعدة معلومات متكاملة، تتوفر لدى كل الجهات، حتى تحد من ثقافة بعض أفراد المجتمع التي لازالت تعتبر أن الحصول على الدعم من أكثر من جهة هو هدف يسعون إليه بكل الطرق القانونية وغير القانونية». تحقيق التنمية وأوضحت «لطيفة أبو نيان» أن وزارة الشئون الاجتماعية معنية أساساً بتحقيق التنمية بالدرجة الأولى، وهي وزارة تخطط للانجاز أكثر من كونها مجرد وسيلة للعطاء، لذا تتنوع صور العطاء، فالمنح قد تكون دراسية أو تدريبية أو تأهيلية، والتواصل بين الجهات المانحة سهل وسيصبح أكثر سهولة وانسيابية مع الانتهاء من الربط مع الحكومة الالكترونية، والتخلص من المعاملات الورقية، الذي أرجو أن يواكبه ثقافة اجتماعية تنبذ الاتكالية والاعتمادية.