من باب الموضوعية قررت أن أسهر من أجل الالتقاء بساهر في حوار خيالي للتعرف على رأيه وانطباعاته حول ملاحظات الناس وآراء الكتّاب التي ظهرت بعد بدء تطبيق هذا النظام. قلت لساهر: ما سبب وجودك؟ قال: الحوادث المرورية. قلت: هل انخفضت الحوادث؟ قال: هذا ما يقوله اصحاب الاختصاص. قلت: وهل لديك فكرة عن أسباب الحوادث؟ قال: السرعة، ومخالفة قواعد المرور، والقيادة بدون رخصة والسيارات المنتهية الصلاحية، وغير ذلك. قلت: وهل تتعاملون حضرتكم مع كل تلك الأسباب؟ قال: لا. قلت: وما رأيك في النقد الموجه لك؟ قال : شعرت في البداية ان الناس تنظر إلي مثلما نظروا إلى جحا وحماره وهي قصة معروفة. اذ ان جحا لم يسلم من النقد سواء ركب الحمار أو ركب ابنه أو لم يركب أحد. لقد كان الناس منزعجين من المشكلات المرورية وعلى رأسها الحوادث وجئت أنا للمساعدة في حل هذه المشكلات فلماذا يغضب الناس مني؟ قلت: لكن الناس يقدمون لك ملاحظات جيدة من شأنها تحسين سمعتك وتحسين علاقتك بالسائقين، وأقترح عليك ان تسمع وتتقبل النقد الموضوعي. قال: زودني بملاحظات موضوعية. قلت: شوارع كثيرة ليس فيها لوحات تحدد السرعة. مضاعفة الغرامة اسلوب غير منطقي. السرعة في بعض الشوارع الكبيرة تحتاج الى اعادة نظر. يضاف الى ما سبق ان التطبيق لم يسبقه مرحلة تمهيدية للتعريف والتوعية وأي تغيير لا يسبقه تهيئة فإنه يتعرض لمشكلات في التطبيق من أهمها مقاومة التغيير. قال: اعترف ان (السهر) اثر على تفكيري ودفعني إلى الاستعجال في التطبيق متأثرا بما أراه من تهور من بعض السائقين الذين لا يحترمون حقوق الآخرين ولا يلتزمون بأنظمة المرور. قلت: لاشك ان دوافعك سليمة وأهدافك قيمة وأنت (ساهر) لخدمة المجتمع ونجاحك فيه مصلحة للجميع لكن هذا النجاح يمكن ان يتحقق بصورة افضل بتعاون وقناعة الجميع. قال: كلامك صحيح، ولكن كيف نحصل على تعاون الجميع؟ قلت: كان يمكن عقد لقاءات للتعريف بك قبل قدومك حتى تكون مألوفا لدى الناس. قال: وهل تعتقد أنني سأحظى بترحيب الجميع؟ قلت: نعم لان الناس بحاجة اليك لتساعدهم وانت اتيت في الوقت المناسب ولكن كان يمكن ان تأتي بالقطار بدلا من الطائرة ليتمكن الجميع من استقبالك. قال: أنا ارحب بالملاحظات ولكن اتعجب من الذين رحبوا بي وكانوا يتحدثون بقوة عن مشكلات المرور، وعندما وصلتهم رسالتي تخبرهم بوقوعهم في مخالفة مرورية، انقلبوا ضدي. قلت: لا تكن حساسا، إن ما قيل من ملاحظات هي لمصلحتك ومصلحة الجميع فأنت مرحب بك ولكن عليك ان (تنام قليلا) للراحة ثم التأمل ودراسة الملاحظات والاستفادة من التجربة السابقة فالسهر الطويل قد يؤثر في قراراتك. ويجب ان تعلم ان لا احد ضدك ولكن الذين ينتقدونك يطالبون بتوفر العوامل التي تحقق لك النجاح. قال: وأنت ماذا ترى؟ قلت: انا ارى انك (ساهر) من اجل راحة الناس، وتنظيم حركة المرور، وحل معضلة الحوادث المرورية، ولكنك بدأت علاقتك مع الناس دون ان تصافحهم وتتعرف عليهم فكأنك دخلت معركة انت غير جاهز لها. قال: وماذا تقترح؟ قلت: اقترح ان تقرأ ما كتب عنك وتستفيد من الملاحظات والنقد الموضوعي. قال: انت تعلم ان المرور جرب حملات التوعية والتثقيف ومع ذلك استمرت المشكلات المرورية. وأسلوب الغرامات موجود في دول كثيرة فهو الوسيلة التي تساعد على الانضباط. قلت: هل تقصد حملة ربط الحزام؟ قال: هذه جزء من كل. قلت: وهل يلتزم السائق الآن بربط الحزام؟ قال: هذا ليس من اختصاصي. قلت: وماذا عن الشوارع الصغيرة داخل الأحياء؟ قال: ماذا عنها؟ قلت: هل تجرؤ على دخولها؟ قال: لست جاهزا لهذه المهمة الصعبة. قلت: ولكنها مليئة بالمخالفات. قال: هذه فوق طاقتي. ولأنني احرص على النوم المبكراعتذرت من (ساهر) على أمل ان التقيه مرة اخرى على وجبة إفطار في الصباح الباكر.