يخشى كثير من مراجعي العيادات والمستشفيات النفسية من أزمة وعقدة الظهور للمجتمع، سواء كانوا مرضى أو مرافقين؛ حيث يحاولون التواري عن الأنظار؛ بما يكرس النظرة الخاطئة تجاه التعامل مع المرضى النفسيين، والتأثير عليهم في عدم تقبلهم للعلاج. ويتخوف آلاف المرضى النفسيين وذويهم من وصمة المرض النفسي؛ ولذلك يحاولون اعطاء معلومات خاطئة للطبيب أو اخفاء معلومات مهمة عنه، بما يزيد غموض الحالة وبالتالي عدم القابلية للبرنامج العلاجي. وبعكس هذه النظرة السلبية يسلط ضيفنا "أحمد بن ناصر العنزي" الضوء على علاج والدته في مجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض؛ بهدف تنوير المجتمع بأهمية العلاج النفسي، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأمراض النفسية عموماً. "الرياض" التقت العنزي وهو مستشار في الكثير من اللجان المختصة بالاعجاز العلمي والموهبة، وتحدثنا معه عن قصة مرض والدته وماتعرض له من مصاعب وكيف تم علاجها ورؤيته للعلاج النفسي، وفيما يلي نص الحوار: بداية الأعراض *متى كانت بداية ملاحظة الأعراض على الوالدة – شفاها الله – وكيف اكتشفتموها؟ - الوالدة تعرضت لحروق من الدرجة الثالثة أثناء تعرض آبار الكويت للحرق، خلال حرب غزو العراق للكويت، حيث كانت مقيمه في الكويت أثناء الحرب، ولم نستطع الخروج منها إلاّ بعد تحرير الكويت، وفي تلك الأثناء كان إخوانها موجودين بالجيش الكويتي المشارك في الحرب فسألت عنهم، وقالوا لها إن إخوانها سيأتون قريباً ولكن بعد شهر من انتظارها جاء خبر أن إخوانها ماتوا فتعرضت لانهيار عصبي وقدم لها العلاج لتهدئتها. * ما هو العلاج الذي تلقته الوالدة أثناء الغزو؟ - عندما وصلها خبر أن إخوانها ماتوا اجتمعت عليها عدة أمور ومشاكل سببت لها مرضا نفسيا غريبا، لا تعرف هل هو مس أم مرض نفسي أم بسبب أدويتها؟، واجتمعت عليها مجموعه من المصاعب من أهمها عدم وجود رعاية طبية أثناء فترة احتلال الكويت، وكانت تعاني من حالات نفسية حادة, ولما تم تحرير الكويت تم علاجها في المستشفى التخصصي بدولة الكويت، وعولجت في الأردن وسوريا سنوات عديدة، وأخيراً في مجمع الأمل للصحة النفسية بالرياض. العنزي متحدثاً للزميل ابن مشخص مرحلة العلاج * ماذا تم بعد ذلك؟ - سألني الطبيب الذي قابلته في "مجمع الأمل" هل تريد تنويم والدتك في المجمع، لأن وضعها صعب جداً؟، أم تبقيها في البيت وتتلقى العلاج؟، قلت ما هو الأحسن لها وأنا أقوم به؟، قال العلاج داخل عائلتها افضل لها، ولكن لابد أن تلتزم بالمواعيد لأن هذا الأمر يساعد في شفائها، حيث إن المجمع يعتبر جزءاً من العلاج والدور الرئيس للأسرة، وعندما تضع العبء على المستشفى فقط لن يكون العلاج مكتملاً، فقلت أتكفل بوالدتي، وبعد جوابي الطبيعي لاحظت الدهشة تعلو محيا الدكتور، فقال لي: "كثير من أولياء المرضى والمريضات لا يهتمون بهم ويحاولون التخلص منهم، ولذلك كثير من الحالات تنتكس؛ لأنه مهما قدّم المجمع من علاج فلن تشفى الحالة بسهولة؛ بسبب الضغط النفسي والعصبي الذي يترتب على ترك أولياء الأمور للمرضى، وعدم تقديم المساعدة للمجمع وزيارتهم"، وبعد مراجعات استمرت سنة ونصف اتصلت بي الدكتورة "فردوس بيومي" تخبرني أنهم تمكنوا من تحديد المرض الدقيق لوالدتي والتعرف على الأعراض المصاحبة وأنها ستشفى بمشيئة الله، وأعطيت العلاج وبالفعل تحسنت حالتها كثيراً، ثم ادخلت برنامج الزيارات المنزلية، حيث يقوم فريق طبي بزيارتها دورياً والاطمئنان على حالتها. * يتوقع بعض أفراد المجتمع أن العلاج النفسي يمكن الشفاء منه في جلسة واحدة، ثم يصاب بالاحباط عند تأخر الشفاء، هل لمست هذا الامر من تجربتك مع مجمع الأمل؟ - أنا مكثت سنوات أراجع من أجل أن أصل إلى قناعة أن والدتي بدأت تستجيب للعلاج، فالأمر يحتاج إلى متابعة مستمرة والاخذ بالاسباب، ثم المتابعة على العلاج حسب رأي الأطباء, كما أن العلاج النفسي ليس هو كل العلاج، ولكن العلاج النفسي جزء أساس وفعال في العلاج, والإنسان لا يقنط من رحمة الله، ويسأل الله الشفاء، ويبذل الأسباب من التوكل على الله، وأود ان أوضح أمراً وهو أن برنامج "مجمع الأمل" شامل للمريض فكرياً ونفسياً وجسدياً، بمعنى أنهم لم يكتفوا بالدواء من مهدئات ومسكنات لأن العلاج النفسي ليس استئصال مرض سرطاني أو بتر إصبع، بل هو تصحيح مفاهيم وأفكار وتعديل سلوك. ثمرة بر الوالدين *هل تأثرت حياتك العملية والاجتماعية اثناء سعيك لعلاج الوالدة؟ - ازف اليك بشرى أن الله عوضني خيراً عن كل مافقدت، وأنا الآن -ولله الحمد- أحصل على مصادر رزق لم أكن أحلم بها، وعضو في العديد من المراكز، وتم ترقيتي في العمل، ووجدت أثر بر الوالدة على أبنائي وأسرتي؛ فقد أصلح الله أهلي، وجمعني في أولادي بعد خمس سنوات، وكل ذلك بسبب دعاء الوالدة لي، فكنت كلما خرجت من البيت تقول: "الله يرضيك مثل ما أرضيتني"، و"الله ييسر لك أمرك مثل ما يسرت أمري"، وتدعو لي كثيراً؛ فالإنسان عندما يصبر على علاج والدته أو زوجته وأبنائه والأمانة التي في عنقه إذا كانت مريضة لا تظن أنه يضيع سدى؛ فإذا ضاع عند البشر فعند الله لايضيع، ومهما أتت الانسان ضغوط من الأسرة، أو ممن هم حوله لترك هذا المريض لا ينصاع لها.