(تتم الوساطة كنشاط قضائي رديف في المحكمة المركزية لمقاطعة لندن في الفترة من الثالثة والنصف وحتى السابعة والنصف مساءً بأدنى التكاليف وبأسرع الإجراءات ..!) لا شيء يطفئ العقل.. ويكسر الإرادة.. ويضرم نار القهر في النفوس.. كمثل الحق أبلج مثل نور الصباح.. تقتله البيروقراطية.. والمدد المتعاقبة .. تؤزك للتنازل عن حقك أزاً .. وأشد ما يكون هذا وضوحاً في القضايا العقارية.. والتي تستمر جلساتها ومداولاتها في المحاكم.. إن كانت قضايا إرث ومواريث .. أو منازعات على عقارات.. مدداً طويلة .. لا تقل عن ال 600 يوم.. كما أثبتُّ ذلك في مقال سابق نسبة لأحد أشهر الشخصيات القضائية في المملكة. وفي الوقت الذي ما زال فيه بعض المحامين .. لم يستوعبوا التحكيم ودوره الحيوي الفعّال في تسوية الخلافات بين الأطراف وتحسين تصنيف المملكة ضمن دول العالم .. وفي الوقت الذي ما زال فيه نظام التحكيم الصادر عام 1403ه ولائحته التنفيذية التي صدرت عام 1405ه عاجزاً عن مجاراة النشاطات التجارية التي تزداد بمرور الأيام تعقيداً .. دونما تأهيل حقيقي للمحكمين أو غرفة تحكيمية تضع بصمتها الشرعية ونفسها القانوني كسواها من كبريات الغرف التحكيمية في العالم. أقول بعد كل هذه الحيثيات.. بأن المملكة بصفتها واحدة من ضمن أفضل 10 دول جاذبة للاستثمار.. وباحتوائها على مراكز مالية لفقه المعاملات سبقت العديد من الدول المجاورة بمراحل.. في تكييفها واستجابتها لحاجة السوق.. هي أحوج ما تكون إلى التجارب القضائية النظيرة والتي حققت ولا زالت النجاح تلو النجاح.. بحيث قارب القانون الوضعي في سرعة خطاه واستجابته للمتغيرات.. الحلول الفقهية الناجزة إن لم يسبقها.. ومن تلك الطرق الحاسمة للنزاع.. الوساطة. الوساطة – كما في ورقة عمل هامة بعنوان تجربة المملكة المتحدة في مجال الحلول البديلة لفض النزاع - طريقة تطوعية لحل النزاعات الخاصة .. حيث يساعد طرف ثالث محايد الأطراف الأخرى على بلوغ تسوية الخلاف عبر الحوار وتقريب وجهات النظر .. يكون فيه الوسيط محايداً. تتميز الوساطة بطابع السرية التي يجب الحفاظ عليها من قبل كل شخص يشارك فيها بأية صفة كانت وقبول أطراف النزاع اللجوء إلى الوساطة يعتبر بمثابة التزام مسبق بعدم طلب مثول الوسيط كشاهد أمام القضاء أو هيئة التحكيم في شأن ذلك النزاع. نجاح الوساطة رهين بالدور الإيجابي الذي يمكن أن يقوم به الوسيط .. ولن يتأتى له ذلك إلا إذا تلقى تدريبياً في هذا الشأن كما هو المعمول به داخل مركز الحلل الفعال للنزاعات ( C. E. D. R ) بالمملكة المتحدة الذي يسهر على تدريب العديد من القضاة بمختلف دول العالم. الوساطة كحل ناجع لفض النزاعات وحسمها ترتكز على : - رضا الأطراف. - السرية. - عدم الضرر. - تحكّم الأطراف في النتيجة. في حين يمكن حصر مزاياها في : - كونها أقل تكلفة وأكثر نجاعة من الحلول القضائية. - تميزها بالسرية والسماح للأطراف بفضاء أوسع وإمكانيات متعددة لإبراز وجهات نظرهم. - على خلاف ما هو عليه الأمر في القضاء النظامي في الدولة - والذي يؤدي اللجوء إليه إلى إحداث ذلك الشرخ الذي لا يمكن إصلاحه- فان اللجوء إلى الوساطة تقوي العلاقة بين الإطراف المتنازعة في المستقبل. - طريقة مرنة ، ولا يعني ذلك أن من يلجأ إليها هو الطرف الضعيف .. كما أنها لا تكون ناجحة إلا في الحالات التي تكون وجهات الأطراف متقاربة. الوساطة كحل توفيقي تمر بعدد من الإجراءات لا بد منها : - تقييم القضية. - إبداء الخبير رأيه في النزاع كتقدير محايد أولي .. ويتعلق الأمر بتحديد المركز القانوني للأطراف حيث تقدّم وقائع القضية كتابة أمام قاضي ( عادة ما يكون متقاعداً ) .. وهو الذي يحدد النتيجة المحتملة للنزاع فيما لو عرض على المحكمة. - إصدار تقييم قضائي. - دعوى قضائية " محاكمة مصغرة". - التوفيق بين الطرفين. - بناء الاتفاق. - الحكم. الأمر الذي أثار دهشتي أن العمل بنظام الوساطة لم يبدأ في بريطانيا إلا سنة 1990 م .. وقد حظيت بقبول كبير .. لدرجة أن القضاء البريطاني فرض على المحامين اللجوء إلى هذه الطرق قبل التوجه إلى المحكمة .. وإلا اعتبروا مخلين بواجبهم المهني .. مما أدى إلى إيجاد حلول فعّالة ل 90 % من النزاعات العقارية والتجارية بل وحتى الأسرية .. ولم يبق للقضاء سوى 10% من القضايا هي التي تصل فعلاً إلى المحاكم ..! قانوني