بهذه العبارة أهداني الراحل غازي القصيبى إحدى أعماله التي خرجت بعيد تعيينه وزيرا للماء والكهرباء . وكنتُ واحدا من أصدقائه ومحبي شعره العروبي الوطني ، وأمثالي لا يحصون . وأول خبر جاء في هاتفي المحمول غداة رحيله رسالة تقول : أحسن الله عزاك وعظّم أجرك في صديقك رجل الدولة والأدب غازي القصيبى ، والذي كان يُحدث فرقا أينما حلّ . فرحمة الله عليه وأسكنه جنة النعيم ، ورزق أهله الصبر.. ولمن يخلفهُ العون.. فمن ذا يستطيع ملء مكانه ؟ وكنتُ أُجيب بالشكر ، والحمد لله على ما قدّر . ثم أكتب بيتا للشاعر نزار قباني من قصيدة طويلة يقول فيه : يارُبّ حيّ زِحام القبر مسكنهُ ورُب ميْتٍ على أقدامه انتصبا . وأذكر أن حياة الغربة كانت – في جوانب منها - سلوى . وكان وبرفقته زوجته الكريمة لا يُباعدان كثيرا ، وأنا وأهلي كذلك ، لا يُشغلنا عن زيارتهما شاغل . نقطع حارة وحارتين على الأقدام لا يشغلنا إلا الحديث والشعر والشعراء . وإيليا وصيدح والخوري وأبو ريشه ونزار . وكان يرحمه الله يُطلق عليّ كنية تحبّب وهي " اللورد " . يقول إنني متعصّب لكل تقليد وثقافة إنجليزية ، وأعرف دقائق الحياة الإنجليزية بألقابها ومراسمها وأُعجب بها . ومرّ صديق مشترك قادما من أمريكا في طريقه إلى السعودية ولم ينزل لندن بل بقي في هيثرو (المطار) حتى أوان قيام رحلته . فعتب المرحوم غازي عليه وكتب إليه أبيات دعابة يلومه تخطي رؤية صديقين هما غازي وعبدالعزيز (اللورد) . وأذكر بيتا واحدا فقط هو : تمرّون أرض " اللورد " لم تنزلوا بها حرام عليكم يا أحباء .. (مش كدا). حقبة من عمر الوطن العربي كتبها شعرا ونثرا ، كان عاشق شعر ، ووطنية ، وبنفس المقدار كان غامسا قلمهُ بعطر، وحديثه الطريف يعرفه كل جمهوره . وقلمه الأنيق يخلع على اللفظة نغما وحبّا . الشرق له أداة اجتماعية ثقافية تربط الناس . وكان الشعر تلك الأداة . ولم تكلّ مع المرحوم غازي تلك الأداة ولم تهن بل أصبحت وشائج قربى بين نيلٍ ورافدين . لا نملك إلا الرجاء من الله له بالرحمة . فقد أعطى وكان سحاب كل عطاء..