أجري استفتاء في إحدى المجلات العربية قديماً، لعدد من أدباء العصر حينها، عن العمر المحبب إلى نفس هؤلاء الشخصيات، وكان السؤال: إذا كان لك أن تبقى في سن معينة من عمرك لا تتجاوزها طوال حياتك، فأي سن ستختار؟ فأجاب أحدهم: سن الأربعين، لأنها سن الفهم والنضوج والفتوة، فعندها يقف الإنسان عند مفترق الطرق، بعد أن أدرك خطأ الماضي، واستبشر بآمال المستقبل، وبلغ من الإدراك والوعي، ما يمكنه من أن يفهم الحياة على حقيقتها، من غير أن يخدعه بريقها أو يجرفه تيارها. كما اختار الأديب محمود العقاد: سن الخامسة والأربعين، لأنها السن الوسط التي تجمع بين الشباب والشيخوخة، وتجعل الإنسان يبدو ناضجاً في تفكيره، متزناً في تصرفاته، حصيفاً في عقله. «الرياض» توجهت بسؤال على مجموعة من السيدات، وهو: هل تشعر المرأة مع تقدمها بالسن، كما شعر الأدباء السابقون؟ أم أن الرجل يختلف في مشاعره وأحاسيسه عنها؟، لا سيما أن الكثير أطلق على هذه العمر بالنسبة للمرأة، «سن اليأس»، فهل هذا الرأي حقيقة، أم أنها سن الحياة والاندفاع والوضوح؟ العمر ليس بالهوية الخاصة ويرى البعض أن المرأة ربما يتلبسها شعور، بأنها تخطو نحو الكبر، ومن ثم إلى الشيخوخة المريبة، بعد أن فارقت هذا الحد الفاصل من العمر والحياة، وهو سن الأربعين، وهنا لابد للمرأة أن تخرج من عزلة السن وسيطرته على مشاعرها وأحاسيسها، ولابد أن تعرف أن العطاء لا ينتهي بدخولها العقد الخامس من حياتها، بل هي البداية، فبعد أن أكملت شوط "العناء البيتي"، والتفرغ التربوي للأطفال، وبعد استقرارها النفسي مع الزوج، برحلتيهما الطويلة، التي لابد أن تنتهي ببداية المرحلة الآتية، من خلال الاهتمام بنفسها، وإنماء مواهبها، وربما أفكارها الإبداعية، إلى جانب ترويض ذهنها بالقراءة، والمتابعة والسفر، ومزاولة الأعمال اليدوية الشيقة، كالحياكة والتطريز، وتنظيم الزهور إلى آخره من الأعمال، التي يكون المجال لها مفتوحاً، وبذلك سيكون نشاطها وعطاؤها، هو سنوات عمرها الحقيقي لا ما هو مدون في هويتها الخاصة. نساء يرينه احتراقاً وأخريات يرينه إشراقاً أختار سن الثلاثين تقول "أم عبد العزيز" متقاعدة: كثيرون يقولون إن المرأة بعد أن تتعدى الأربعين، ينتابها اليأس والانطواء، ويغلب عليها الشعور بالأسى والحزن، كأنها قد قاربت عمر الكبر والشيخوخة، لكن حبي لبيتي وزوجي وأولادي، ومن ثم عملي، لم يجعلني أحس بمثل هذه المشاعر، فوقتي كله منظم ولم أترك لنفسي دقائق فراغ، لكي أفكر إلى أي عمر وصلت، ولا أسمح لمثل هذه الهواجس أن تسيطر علي، لذلك وحتى بعد تقاعدي، عملت في مجموعة من الاهتمامات الاجتماعية داخل الأسرة، ومع هذا لو كان لي الخيار لاخترت سن الثلاثين، فعندما أعود لذكريات تلك الفترة العمرية، أشعر بأنني كنت أكثر نشاطاً وحيوية وحتى عطاء. سكر وضغط وتؤكد "أم هادي" متقاعدة، أن المرأة حينما تعمل وترجع إلى البيت، وكلها حياة في الاندماج بأولادها، فإنني لا أتصور أن يراودها شيء من ذلك، حتى أنني ألعب مع أطفالي لأشعرهم وأشعر نفسي بالحيوية الدائمة، ومازلت أمارس نفس العادات المحببة معهم، إلا أن إصابتي بمرض "السكر" و"الضغط"، قلل من بعض الاهتمامات السابقة، ولو كان لي الخيار لاخترت العقد الرابع من العمر، لأقف فيه على طول، نظراً لأنه سن الحكمة ونضوج التجربة. فترة الشباب والحيوية وتقول "مريم" أم ثامر موظفة: لكل عمر ميزته، وأنا أفضل فترة الشباب والحيوية، ما بين الثلاثين والأربعين، مضيفةً في نظري فإن سبب إحساس بعض النساء في سن الخمسين، وحتى الستين باليأس والكآبة والملل، وثم القلق في أحيان كثيرة، يكون من أجل الارتحال من مرحلة الشباب، التي تنتهي ببداية هذه السن، وهو سبب ارتباكها العام، وهذا ما يداخل مشاعر كافة النساء، ولكنه يختلف نسبياً من امرأة إلى أخرى، ثم إن الزواج المبكر له الأثر الكبير، حيث إن المرأة حين تتزوج وهي لم تتعد السابعة عشرة من عمرها، تنتهي من الإنجاب والتربية، وهي في عنفوان شبابها، ثم ترى أن الأولاد كبروا، وبدأوا يفارقون حضنها وذراعيها، ثم يصبحون في غنى عنها في الكثير من احتياجاتهم واهتماماتهم، وتبدأ هي بالشعور بالكبر واليأس والملل، فأنا بدأت حياتي الزوجية وأنا في عمر 29 عاماً، لذلك لا يزال أولادي في عمر صغير، وبحاجة مستمرة لي، ولعل هذا الأمر هو من يشعرني بالحيوية والنشاط. أخصائية اجتماعية: الكبرياء والأنفة تهبط درجاتهما بعد الخمسين لا يهمني عمر معين وتوضح "ساره" أم عمر موظفة، بعد هذه المسيرة الطويلة والرحلة المتعبة، أصبحت أجد نفسي وقد تغيرت مشاعري، وبدأت الاهتمام بمظهري وأناقتي، على عكس ما كنت عليه في السابق، حيث كنت غارقة بهموم المنزل والأطفال وأتعابهم، أما اليوم فقد أصبحت أجد الوقت للخروج مع صديقاتي، والحديث مع كل الناس، واستغلال أوقاتي في الأنس والفرح، لأنني قد أضعت سنوات كثيرة بين جدران المنزل، دون الخروج حتى إلى بيت الجيران الملاصق لنا، مشيرةً إلى أن المرأة إذا أحست بطعم السنوات الماضية، وسرعة مرورها، وما أحدثته لها من أتعاب أو راحة أحياناً، فالالتفات إلى الماضي والتفكير في المستقبل، يستطيع أن يبدل حياتها بشكل جذري، ويجعل لشبابها "الديمومة"، وأنا شخصياً لا يهمني سن معين مادمت بصحة جيدة. الشعور بالحاضر وتؤكد "فتحيه سالم" أخصائية اجتماعية، أن مختلف الكتب العلمية والاجتماعية والتربوية، التي تعنى بحياة المجتمع، تتحدث عن بعض النصائح العامة للمرأة في العالم، بعد رحلة طويلة من العمر، واذكر أنني قرأت ل"كاتبة غربية" لا يحضرني أسمها، أنها تشير إلى أن الكبرياء والأنفة تهبط درجاتها بعد الخمسين، وكذلك الآمال الكاذبة والمطامع الخيالية، تذبل أوراقها تدريجياً، ومتى ألقى الإنسان هذه الثلاث، الكبرياء والآمال والمطامع من ظهر السفينة إلى البحر، يتكون عنده شعور لم يكن له عهد به في الشباب، ألا وهو الشعور بالحاضر لا الماضي ولا المستقبل.