أطلق رجل الأعمال والاقتصاد صالح كامل تحذيرا من تنامي ثقافة إنتاج الشحاذين في مجتمعاتنا العربية والإسلامية . جاء هذا التحذير في حلقة من برنامج " نقطة تحول" مع الزميل سعود الدوسري نهاية الأسبوع الماضي , والتي جذبت الكثير من المشاهدين لمعرفة أسرار هذا القادم من عالم الثراء. وبالفعل كانت الحلقة ثرية جدا لمن أراد أن يتعرف على هذه الشخصية السعودية المميزة في عالم الاقتصاد . طبعا هناك جوانب كثيرة تهمني للتعرف عليها من تجارب الشيخ , ولكن الذي لفت انتباهي جدا هو هذا التحذير الذي أطلقه عن تنامي أعداد الشحاذين من المسلمين وتأصل ثقافة الاستجداء بينهم بدلا من العمل . ومما يعزز هذا التحذير صورة الفقر في بلاد المسلمين . لست متخصصا في الاقتصاد الإسلامي ولكن اسعى كفرد منكم بالمطالبة بمن يشرح لنا هذا التحذير علميا واقتصاديا لا من باب الخطب الرنانة ومن باب السجع والبديع اللغوي , وإنما من باب نشر العلم الاقتصادي او حتى الاحتساب المعرفي اقتصاديا . يرى صالح كامل ان سبب هذه الثقافة الاستجدائية نتيجة لسوء فهمنا لجوانب كثيرة من الاقتصاد الإسلامي وأهمها باب "الزكاة " وعلى من تجب ؟ ولمن تصرف ؟ فهو يؤكد على ترسخ ثقافة جهل اقتصادي ركزت صرف الزكاة في وجه واحد أكثر على حساب الأوجه السبعة الباقية والواردة في الآية الكريمة من سورة التوبة والتي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم " . وحدد كامل هذا الوجه في الفقراء , أما بقية الوجو التي امر الله بصرف الزكاة لها فقد تلاشت تدريجيا في نظره إلى أن خلقت ثقافة الاستجداء لدى الأفراد , وبعدها ازدهرت هذه الثقافة المزرية عربيا وإسلاميا وأصبحت تتمتع بها الدول والمؤسسات . وهكذا أصبحت لدينا بعض الدول العربية و الإسلامية تقف في طوابير المساعدات فتطورت مع ثقافة الشحاذة فنون الاستجداء دون الالتفات لاقتصاد الغنى الوارد في تلك الآية الكريمة . إذا كان ما يقوله صالح كامل صحيحا من حيث عدم فهمنا او تطبيقنا لكثير من مفاهيم الاقتصاد الإسلامي , فبماذا نسمي ما نمارسه الآن من جمع للزكاة أو تفريق للزكاة او حتى مشاركات في أوجه الزكاة على المستوى الفردي؟ الجواب يحتاج الى مختص يشرح ممارساتنا المؤسسية والفردية . فعلى سبيل المثال ولله الحمد في المملكة نجد أن الزكاة تجمع على المستوى المؤسسي بشكل منظم انعكس ايجابا في الكثير من نواحي حياة الناس , ولكن على المستوى الفردي وفي بلد محب للخير والعطاء نجد أن جهود اقتصاد الخير مبعثرة .ويستشهد صالح كامل بفترة الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز وهي الفترة القصيرة جدا والثرية إسلاميا بعدل ونزاهة هذا الخليفة , وسبب استشهاده بهذا الخليفة نابع من أن عهده شهد ابرز فترة إسلامية عرفت الاقتصاد الإسلامي بشكل دقيق مما جعل طبقة الشحاذين تختفي من الدولة الإسلامية حيث لم يوجد من يأخذ أموال الزكاة . أما الآن قفْ للتبرع او توزيع شيء بالمجان او حتى بالصراخ الكاذب بالكلمة السحرية " مجانا " لترى أعداد الشحاذين من حولك . اعتقد أن صالح كامل فتح جرحا اقتصاديا في ثقافتنا الإسلامية تستوجب منا التوقف عندها لأنها ركيزة مهمة في تماسك المجتمع الإسلامي وليس التركيز على الثقافة الشكلية في طول الثوب أو اللحية ونترك جوانب الاقتصاد والتكافل . وبالعودة للثقافة الاقتصادية الإسلامية نجد أن هناك الكثير من القوانين الرائعة التي اختفت من ثقافتنا الحالية أو اضمحلت أو تقلصت ومنها قوانين : من أين لك هذا؟ والضمان الاجتماعي , وقانون المرضى والعميان والمقعدين والمشردين واللقطاء والشيوخ واليتامى والأسرى , وقوانين المساعدة والضيافة والمشاركة والماعون والإعفاف والإسعاف والتعويض العائلي وقانون النفقات والوقف والركاز والغنائم والكفارات والنذور وقانون الكفاية . تمثل هذه القوانين بعض أوجه ثقافتنا الاقتصادية الإسلامية التي افتقدناها عمليا في حياتنا واستبدلناها بنظريات من عند غيرنا . أنا لا أدعو هنا للتقوقع وإنما للأخذ بما يحقق التكافل الاجتماعي ويقلص أعداد الشحاذين في كل قطر عربي أو إسلامي . فالفقر مع الأسف الشديد أصبح ثقافة تقود إلى تجارة الاستجداء وربما بعدها إلى ثقافة الجريمة التي يتم تصديرها للخارج بل وحتى للمشاعر المقدسة سنويا مع موسم الحج والعمرة . وبذلك تجاوز تخلفنا العربي والإسلامي مرحلة هجرة العقول النافعة إلى هجرة العقول المستجدية للشحاذين. ولكن لا تظن أن الفقر شر كله وإنما دفع الناس إلى الاستجداء هو الشر بعينه بعد سلبهم مقومات الكرامة الإنسانية كما أمر بها الله وعمل بها نبيه الكريم . لذا يقول على بن أبي طالب كرم الله وجهه بما معناه الفقر هو الموت الأكبر , ولكن لا فقر مع حسن تدبير . ولا غنى مع ضعف إيمان . فشر المال ما اكسب المذام , لأن ضرر الفقر أحمد من شر الغنى وأن حب المال يوهن الدين ويفسد اليقين .