لابد أن السؤال يبدو عريضا وقصص حالات الايذاء للاطفال تتنامى إعلاميا وتربويا فتتحرك معها مشاعر جماعية شاجبة , تتفاعل نعم , ولكن الاجابات ما زالت تلح علينا بالبحث عن إيجاد وسائل حماية وتوعية أكثر انتشارا وفعالية . واليوم وحادثة طفل الخامسة المعذب والذي يعاني من حروق شديدة و متكررة في أنحاء جسده الصغير لاحظتها معلمة حريصة وأبلغت مديرتها والتي بدورها نقلت شكوي عاجلة من قبل إدارة التعليم إلى لجنة الحماية الاسرية بمدينة جدة عن اكتشاف آثار عنف وحروق على جسد طفل من الجنسية المصرية – نشرتها الصحف – في روضة أطفال , تردد السؤال من جديد , كما يحدث في كل حالة معلنة عن تعذيب للاطفال , هل حقا هذا يحدث وإلى متى تستمر الظاهرة ؟ تفاصيل القضية تشير كالعادة إلى دور زوجة أبيه الذي يعيش معها الطفل إثر انفصال أمه عن والده الطبيب والذي يجعلنا نُصدم ونحن نتساءل بعد مشاهدة صور آثار التعذيب , كيف لم يلاحظه أبوه المتعلم ؟ بل كيف لم يتابعه , ولماذا حرمت أمه من رؤية ابنها الصغير لمدة خمسة شهور كما ذكرت الام خاصة ان التعذيب حدث أثناء سفر أبيه الطبيب خارج المملكة ؟ إن هناك حاجة ملحة ان يعاد النظر في مسألة بقاء أطفال صغار يعيشون بعيدا عن أمهاتهم في حالة طلاق الوالدين، فأغلب القضايا التي تضرر منها أطفال وبعضهم توفي إثر التعذيب حدثت أثناء اقامتهم مع زوجات الاب فما الذي بمقدور التوعية أن تفعله لدى قلوب قاسية لا تعرف الرحمة ولا وخز الضمير والخوف من الله ؟ لقد تم تحويل القضية إلى الشرطة بعد ان ثبت تعرض الصغير لتعذيب شديد واعتبرت المصادر ان الحالة شبهة جنائية لهذا سوف يبقى الطفل في قسم الحروق بمستشفى الملك فهد العام لمدة طويلة نتيجة صعوبة حالته كما ذكر مدير عام الشؤون الاجتماعية إلى ان يتم تقرير حالته . ألا إن الغريب هو محاولة الطبيب الهروب بابنه المنوم من المستشفى بقسم الحروق فور علمه بتسرب خبر التعذيب ! ووفقا لخبر جريدة الوطن فإن شرطة جدة ألقت القبض على الطبيب وحولته إلى هيئة التحقيق والادعاء العام لتعرض طفله إلى كل هذا العنف في جميع أجزاء جسده , وأحاول تخيل صورة زوجة الاب وقد تكون ككل الامهات والقريبات طبيعية وعفوية المظهر، إلا ان الغدر والرغبة في التعذيب قد يكونان مختبئين في أعماقها فهل انتشر العنف في نفوس الناس أكثر الان مما مضى أم أن وسائل الاعلام ونشر تلك الحوادث ساهما في اكتشافها ؟ إن تعريف العنف قد يبدأ من مجرد إهمال تقول عنه رئيسة فريق الحماية في وزارة الصحة بالمنطقة الشرقية الباحثة والاستشارية د.هدى العيوني ان الاهمال الذي ينتج عنه ضرر لطفل كالتسمم وتناول السموم في المنزل يصنف كنوع من انواع العنف ويعتبر جريمة يتم التعامل معها في لجان الحماية والتحقيق مع الوالدين بسببها، فكيف بالكي وحرق السجائر في أنحاء متفرقة من الجسم والماء المغلي كما حدث مع طفل الخامسة المعذب ؟ إنه من الجميل وسط هذه المعاناة ان نقرأ عن محاولات تطوع في نشر الوعي الاجتماعي والنفسي كما تفعل مجموعة فتيات وشباب من أعضاء الجمعية الوطنية لطلاب الطب لاقامة مشروع خيّر متمثل في تنظيم المهرجان الثاني لحماية الطفل " خطوات " في الخبر للتوعية بالمخاطر اليومية التي يتعرض لها بعض الاطفال في مجتمعنا العربي من ممارسات العنف والتحرش الجنسي والمؤثرات السلبية الاخرى داخل البيئة الأسرية والمجتمعية المحيطة من خلال تثقيف الاسرة والاطفال بالحلول وبدائل العلاج وتطوير المهارات . والاجمل أيضا ان تكون هناك رعاية إنسانية على المستوى الوطني لمعالجة ظاهرة العنف فقد أطلقت سمو الاميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز حملة " غصون الرحمة " الهادفة إلى حد العنف ضد الاطفال مؤخرا والتي تطلقها الجمعية الوطنية لحقوق الانسان بالشراكة مع برنامج حملة الامان الاسري معتبرة أن زواج القاصرات يعتبر أيضا شكلاً من أشكال العنف ضد الاطفال . وقد ذكرت المشرفة على الحملة الاستاذة الجوهرة العنقري بأن عدد قضايا عنف الاسرة الوارد إلى الجمعية منذ تأسيسها بلغت 1541 قضية وأنها قضية مجتمع بأسره وأن الجميع مسؤول حسب مكانه وإمكاناته، وهذا صحيح بالطبع ولكن السؤال يعود بنا إلى البحث من جديد , هل يمكن لكل هذه الجهود والحملات أن تحرك ضمائر غائبة ؟