لا يمكن لأي مطلع على صحيفة «الرياض» في عددها 13527 الموافق غرة جمادى الآخرة من عام 1426ه إلا وأن تلفت نظره صور الرضيع( رائد) وجسده الممتلئ بالحروق وآثار الكي و الذي نشرت الصحيفة معاناته وما تظهره هذه الصور من وحشية وإجرام ارتكبت بحق هذا الصغير بحجة العلاج والذي يدل دلالة واضحة على مدى الجهل الذي يرزح تحته الكثير من أبناء مجتمعنا والعقلية الساذجة التي يتخذونها في التعاطي مع مدعي الطب والعلاج للتداوي وطلب الشفاء. وتفاصيل القصة المأساوية لمن لم يطلع على ذلك العدد، أن الطفل رائد ولد بعيب خلقي في القناة الموصلة بين المعدة والاثني عشر وبعد أن خرج من المستشفى لم تستطع والدته إرضاعه بشكل طبيعي نتيجة القيء المستمر وبعد عرضه على طبيب في إحدى المستشفيات خارج الرياض، ضل ذلك الطبيب في تشخيصه لعلة الرضيع وفي العلاج الذي وصفه له وكانت النتيجة تفاقم المشكلة ونقصان وزن الرضيع فلجأ الأبوان إلى الرياض طلباً للعلاج وبدلاً من أن يراجعا مستشفى متخصصا بأمراض الأطفال لجآ بناء على نصيحة وتزكية من أحد الأقارب إلى بائعة للأقمشة في سوق حجاب تدعى (أم مشاري) تزاول مهنة الطب الشعبي مع تجارة البسطة التي تسوق من خلالها لمهاراتها وقدراتها . وهو سوق شعبي يقع في حي النسيم شرقي الرياض ويشتهر بتواجد بائعات البسطة ومزاولي الطب الشعبي فيه من مداوين وعطارين حتى إن به عطارا شعبيا ذا شهرة واسعة يمكن أن تجد عنده خلطة ودواء لأي علة تخطر على بالك حتى الحماقة والغباء لو سألته عنها لأعطاك أعشابا وخلطة ادعى فيها قدرتها على شفاء المبتلين بها، دون أن يكون عليه أو على خلطاته التي يروج لها وما تحتويه من سموم ودجل أي رقيب أو حسيب! ونعود لأم مشاري التي لجأ إليها الأبوان واستجابا لحديثها وادعاءاتها التي قالت فيها إن ابنهما يعاني من مرض اسمه (العفنه) ويحتاج لعلاج عاجل تمثل بالكي وذلك مقابل مائة وخمسين ريالا دفعها الأبوان لامرأة جاهلة مدعية من أجل أن تعذب ابنهما فلذة كبدهما بكيه ثلاثين مرة ولسع جسده الضئيل في أماكن البطن والظهر وبطريقة وحشية دون أي مخدر أو تعقيم وكانت النتيجة انتكاس حالة الرضيع بعد أيام من كيه نتيجة إصابته بتسمم في الدم وفشل كلوي حاد بسبب الحروق التي يعاني منها . وبعد أن أدرك الأبوان خطورة الموقف لجآ أخيرا إلى قسم الطوارئ بمستشفى اليمامة بالرياض وابنهما في حالة حرجة ادخل على أثرها للعناية المركزة وتم التعامل مع حالته بشكل طبي سليم أنقذ حياة الطفل بعد مشيئة الله وتم تشخيص حالته وعلته وإجراء الاستطبابات والعمليات اللازمة للسيطرة على حالتي التسمم والفشل الكلوي اللتين أصابتاه ولتصحيح العيب الخلقي الذي كان يعاني منه لتكتب النجاة والشفاء لذلك الطفل المعذب لينقل لنا بصورة جسده الضئيل بشاعة التجربة التي مر بها والتي مر بها كثيرون غيره لم يشعر بهم أحد أو حتى يسمع بأنينهم واستغاثاتهم . لنرفع بالأسئلة التالية لكل مهتم ومسؤول عن قضية هذا الطفل: من المسؤول عن ما عاناه ذلك الرضيع من ألم وعذاب كاد أن يفقده حياته، ومن سيأخذ له حقه ويقتص له من معذبيه الذين أجرموا فيه بقصد أو بدون قصد. ٭ هل هو المستشفى الذي ولد به الطفل والذي أغفل حالته التي كان يمكن تداركها وحماية الطفل من كل ماعاناه من عذاب لو شخصت حالته في وقت مبكر وتم التعامل معها بكثير من الحرص والمسؤولية بتحويلها إلى المستشفيات المتخصصة والتي توجد بها كفاءات قادرة على التشخيص والتعامل مع مثل هذه الحالات؟ ٭ أم أنه الطبيب الذي لجأ إليه الوالدان ولم تسعفه شهادته وخبرته في كشف العلة فأخطأ التشخيص وزاد من معاناة الطفل وحيرة الأهل ليحرضهم على اللجوء لطب آخر والاستسلام لنصائح المدعين والمجربين القاتلة؟ ٭ أم أنهما الوالدان باستسلامهما وقلة وعيهما وتسليمهما فلذة كبدهما لبائعة مجرمة تزاول ما بدا لها من مهن وحرف في سبيل الكسب المادي واستجابتهما السريعة لتخاريفها وخزعبلاتها التي كادت أن تفقدهما حياة ابنهما وأغلى ما عندهما؟ ٭ أم أنها أم مشاري التي تزاول مهنة الطب في سوق شعبي بكل حرية وجرأة فتطبب وتقتل وتخطئ وتجرم بكل إصرار وترصد دون أن ترصدها عين الرقيب أو تطالها يد المحاسبة ؟ بالله عليكم لو أن طبيباً دارساً لعلوم الطب ومدركاً بأعضاء الجسد ووظائفه وأمراضه وعلله ولكنه اختصاصي في طب الباطنة ادعى قدرته على إجراء جراحة في العين فهل كنتم تسلمونه أنفسكم ولو أنه قام بفعلته هذه وكشف أمره فهل كانت الجهات المسؤولة ستسكت عنه أو تسمح له بممارسة تجاوزاته؟ فما بال الأمر يختلف في تعاملنا مع امرأة جاهلة تدعي الطب والعلاج تزاوله علانية أمام مرأى الناس دون خوف أو خجل؟ ٭ حقيقة أن المتسبب الحقيقي في حق ذلك الطفل الصغير هو الجهة المسؤولة عن مراقبة كل هذه الأمور ، هو وزارة الصحة في سماحها بتدني مستوى الخدمات الصحية في المناطق البعيدة والنائية وتخاذلها في محاسبة المسؤولين عن ذلك، وفي عدم قيامها بالتوعية الصحية الكافية لجميع المواطنين والمقيمين بمخاطر التعامل مع مدعي الطب الشعبي وبسماحها لهم بالتكاثر ومزاولة مهنتهم الخطرة وبيع الوهم للناس في الأماكن العامة والبيوت وعدم إيقاع العقوبات القاسية عليهم لردعهم من التساهل بأرواح الناس وتعريضها للخطر! فمن يا ترى يأخذ بحق ذلك الرضيع الذي أساءت أطراف كثيرة معاملته ؟