قصة الإنسان مع المال من أعجب القصص، وخاصة أن أكثر البشر، يتعبون في سبيل المال ولا يسعدون به، ويدعون أنه وسيلة ويعملون على أنه غاية، وبعضهم يبيع في سبيله الدين والقيم والضمير، ويدوس في طريقه كل من يستطيع عليه، ويجمعه ويراكمه وكلما كبر في السن زاد حرصه "يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان: الحرص وطول الأمل".. وقصة الإنسان مع المال فوق أنها عجيبة، فهي طويلة جداً، تبدأ من الصفر، ولا تنتهي إلا في القبر، حيث يترك الثري ماله كله، ويحاسب عليه كله.. وقصة الإنسان مع المال مكتوبة بالدماء والدموع وقهر الرجال.. * ونظرة المجتمع للمال هي الأخرى عجيبة، فالموازين الاجتماعية مختلة في معظم العصور، تبجل الأثرياء وتقدم الأغنياء ولو كانوا غير صالحين، وتزدري الفقراء والمقلين وإن كانوا صالحين، إلا من رحم ربي.. * وقد صور أدبنا العربي ومأثورنا الشعبي نظرة الناس للمال، وموقف المجتمع من الأغنياء والفقراء، وتصوير واقع لا يلزم معه الموافقة والإقرار.. * يقول أحيحة بن الجلاَّخ: «استغن أو مت ولا يغررك ذو نشب من ابن عم ولا عم ولا خال يلوون ما عندهم من حق أقربهم وعن صديقهم والمال بالوالي فلا أزال على الزوراء أعمرها إن الكريم على الأخوان ذو المال كل النداء إذا ناديت يخذلني إلا ندائى إذا ناديت: يا مالي»! والزوراء مزرعة للشاعر، وكانت المزارع والعقار والإبل والأغنام مصدر الثروة في ذلك الزمان، يقول عبدالله بن الحسن «غلة العقار مسألة، وغلة النخل كفاف، وغلة القمح عنى» والغلة هي الإيراد كما هو معروف، وصف عائد العقار بأنه مسألة لكثرة سؤال المؤجر للمستأجر أن يدفع له ما عليه! * وقيل للحسن البصري رحمه الله: لماذا يبجل الناس أصحاب الثروات؟ فقال: لأن معشوقتهم عندهم! * وقال الشاعر القديم: «ولا خير في الدنيا لمن لم تكن له دنانير فيها جمة ودراهم» * وللشاعر الآخر (ونسبه بعضهم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) واعتقد أن ذلك خطأ: «إن الغني من الرجال مكرم وتراه يرجى ما لديه ويرهب ويبش بالترحيب عند قودمه ويقام عند سلامه ويقرب والفقر شين للرحال فإنه يزرى به الشهم الأديب الأنشب» * وقال المعري": «كن من تشاء مهجناً أو خالصاً فإذا رزقت غنى فأنت السيد» * ويقول أيضاً: «من يغن يخدمه أقوام على طمع ولا يرون لمن أخطأ الغنى خدما» * ويقول شاعر مسن يروي تجربته في الدنيا ستين سنة، باختصار: «بلوت صروف الدهر ستين حجة وجربت حاليه من العسر واليسر فلم أر بعد الدين خيراً من الغنى ولم أر بعد الكفر شراً من الفقر» * ولأبي العتاهية: «ومن يك ذا سعة في الغنى يعظم، ومن يفتقر يحتقر» (حميدان الشويعر) * ويقول حكيم شعراء نجد حميدان الشويعر: «المال لو هو عند عنز شيورت وقيل يا أم فرين: وين المنزل؟» * وله أيضاً: «الأموال ترفع من ذراريه خانسه والقل يهفي ما رفع من مغارسه الآ يا ولدي صفر الدنانير عندنا تنطق شفاه في لياليك خارسه وترفع رجال بالموازين سلمت إلى نقص من يم الحصا عاد ناكسه وكم ترفع الأموال من فرخ باشق تعلى على حر بكفيه فارسه» يشير في البيت قبل الأخير إلى أن الغنى لو وزن مع من هو أفضل منه فإن مال الغنى حصى ثقيل يوضع معه في كفة الميزان فيرحج على الفاضل بسبب ماله.. * * * *ويقول بديوي الوقداني: «المال يحيي رجال لا طباخ بها كالسيل يحيي الهشيم الدمام البالي لا خي في ديرة يشقى العزيز بها يمشي مع الناس في هم وإذلال عز الفتى رأس ماله من مكاسبها يا مرتضي الدون لا عز ولا مال لا تعمر الدار والقالات تخربها بيع الردي بالخسارة واشتر الغالي ما ضاقت الأرض وانسدت مذاهبها عن كل حر شهر في راس ما طال دار بدار وجيران نقاربها وأرض بأرض وأطلال بأطلال إن المنية إذا مدت مخالبها تدركك لو كنت في جو السما العالي»