كان العرب أهل حل وترحال، لا يكادون يستقرون، حتى الذين يسكنون المدن والقرى لهم في الرحلات صولات وجولات، فالقريش رحلة الشتاء والصيف، وبنو هلال شقوا الأرض ترحالاً من شرقها في نجد إلى مغربها في الأندلس وما جاورها حين كانت هي سقف العالم قبل ان تكتشف أمريكا.. وللعقيلات رحلاتهم المجيدة. وقبل توحيد المملكة على يد بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - كان أجدادنا يرحلون من نجد إلى الشام والعراق والهند، وناهيك عن الكويت والزبير، ومن أمثالهم السائرة: الهند هندك لا قل ما عندك.. والشام شامك لا من الزمن ضامك ❊❊❊ ويزخر تراثنا العربي وموروثنا الشعبي - على مر العصور - بالحض على الضرب في الأرض طلباً للرزق، أو دفعاً للذل وبحثاً عن الكرامة.. ما ضاقت الأرض وانسدت مذاهبها عن كل حر شهر في رأس ما طال(بديوي الوقداني) يقول أبو تمام: لا يمنعنك خفض العيش في دعة نزوع نفس إلى أهل وأوطان تلقى بكل بلاد ان حللت بها أهلاً بأهل وأوطاناً بأوطان» وينسب للإمام الشافعي الأبيات المشهورة: تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد: تفرج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد ورحلة الإمام الشافعي في طلب العلم مشهورة، من الحجاز إلى العراق ثم إلى مصر، وأكثر العلماء قطعوا أكباد الابل أسفاراً في طلب العلم.. ❊❊❊ ويقول أبو تمام أيضاً: وطول مقام المرء في الحي مخلق لديباجته فاغترب تتجدد فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى الناس ان ليست عليهم بسرمد وقد يكون في السفر مشقة وذل وخوف - قديماً - فقد قالت اعرابية لابنها الذي يريد ان يتغرب: - يا بني - إذا غادرت قومك فلا تنس نصيبك من الذل! وربما كانت - بقلب الأم الرؤوم - تود ألا يسافر وتريد أن تثنيه عن رأيه بهذا التخويف. على ان الشاعر يقول: فإن قيل في الأسفار ذل ومحنة وقطع الفيافي وارتكاب الشدايد فموت الفتى خير له من قيامه بدار هوان بين واش وحاسد وللشنفري: لعمرك ما في الأرض ضيق على امرئ سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل ففي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متعزل وأكثر ما يدفع الناس للاغتراب طلب الرزق أو طلب العلم أو الهرب من الذل - نحن لا نتكلم عن السياحة بل عن ما يشبه الهجرة - يقول ابن أبي حازم: لا يثبت الحر في مكان ينسب فيه إلى الهوان الحر حر وان تعدت عليه يوماً يد الزمان ومم ينسب للإمام الشافعي: ارحل بنفسك عن أرض تضام بها ولا تكن بفراق الأهل في حرق من ذل بين أهاليه ببلدته فالاغتراب له من أحسن الخلق الكحل نوع من الأحجار منطرحاً في أرضه كالثرى يبدو على الطرق لما تغرب نال العز أجمعه وصار يحمل بين الجفن والحدق ومن الأبيات المشهورة - ويقال إنها لأحمد بن فارس - : إذا ما ضاق صدرك من بلاد ترحل طالباً أرضاً سواها عجبت لمن يقيم بأرض ذل وأرض الله متسع فضاها فذاك من الرجال قليل عقل بليد ليس يعلم من طحاها فنفسك فز بها ان خفت ضيماً وخل الدار تنعى من بناها فإنك واجد أرضاً بأرض ونفسك لن تجد نفساً سواها ولشاعرنا الشعبي بديوي الوقداني: لا خير في ديرة يشقى العزيز بها يمشي مع الناس في هم واذلال عز الفتى راس ماله من مكاسبها يا مرتضي الدون لا عز ولا مال لا تعمر الدارات والقالات تخربها بيع الردي بالخسارة واشتر الغالي ما ضاقت الأرض وانسدت مذاهبها على كل حر شهر في راس ما طال دار بدار وجيران نقاربها وارض بأرض واطلال باطلال ان المنية إذا مدت مخالبها تدرك لو كنت في جو السما العالي ولحميدان الشويعر قصيدة طويلة جميلة حين أراد التغرب من بلدته (القصب) بعد ان أخذ ابنه ثاره ، و منها: الأيام ما يرجى لهن رجوع غدت نجلان لنا وربوع وسود الليالي ما درى عن بطونه يمسن حوامل ويصبحن وضوع مرقت من الدنيا بيوم وليلة واعد أسبوع من وراه أسبوع والأيام لو تخلف بيوم عذرتها لهن بالليالي الماضيات صنوع أجارني ربي خيارها عن شرورها علوم الردى يأتي بهن ربوع فيا مانع اشرف لي على راس مرقب من قبل شمس بالنهار طلوع تقللت عن دار وراى ومنزل وقبلتها حثو التراب كسوع