يغطي عيوب المرء كثرة ماله يصدق فيما قال وهو كذوب الأموال ترفع من ذراريه خانسه والقل يهفي ما رفع من مغارسه * من المأثور الساري بين كل شعوب الأرض - على اختلاف في الصيغة واتفاق في المعنى - أن (نكتة الغني دائماً ممتازة ويضحك لها مجالسوه بقوة ولو كانت تافهة وهو ثقيل) وأن (حماقات الأغنياء من درر الحكم) عند حشمهم ومجالسيهم والمستفيدين منهم ولو على أمل.. وقد كان أحد الأعراب يقول: - تمنَّيت لو أن مثل جبل أُحد ذهباً حتى لو لم اتصرف فيه. فقيل له: وما الفائدة إذن؟ فقال: لكثرة من يخدمني بسببه! @ @ @ يقول أنس بن أبي أنيس يخاطب ثرياً: أَجَلَّكَ قومٌ حين صرت إلى الغنى وكُلُّ غني في العيون جليلُ ولو كنت ذا عقل ولم تَنَلء ثروة ذللتَ لديهم، والفقير ذليلُ إذا مالت الدنيا على المرء رَغَّبَتء إليه، ومال الناسُ حيثُ يميلُ! ويقول الآخر: إنَّ الغنيَّ من الرجال مُكرَّمٌ وتراهُ يرجى ما لديه ويُرءهَبُ ويُبَشُّ بالترحيب عندَ قدومه ويُقَامُ عند سلامه ويُرَحَّبُ! @ وقيل للحسن البصري: ما بالُ الناس يُكَرِّمونَ أرباب الأموال؟ فقال: لأن عشيقتهم عندهم! @ ومر رجلٌ ثري بقوم جلوس فنهض له الهيثم بن الأسود - مع أن الثري لم يُلءق السلام بل مر مروراً! - فقالوا: لماذا قمت إجلالاً له وأنت لا تستفيد منه؟ فقال: جُبلتء هذه القلوب على إجلال ذي المال! @ @ @ ويقول الشاعر: يُغَطِّي عيوبَ المرء كثرةُ ماله يُصَدَّقُ فيما قال وهو كذوبُ! ويُزءري بعقل المرء قلَّة ماله يُحَمِّقُهُ الأقوام وهو لبيبُ! ودخل المتنبي وهو شاب سوق الخضار ببغداد فرأى بائع بطيخ بقي له خمس، فقال له: بكم هذه؟ قال: بعشرة دراهم، فطلبها بسبعة فرفض البائع بغضب، فأقبل رجلٌ ثري على فرس مطهم وحوله عبدان ونظر للبائع من فوق وقال: بكم هذه؟ فقال البائع بخضوع: بخمسة دراهم يا سيدي! فقال الثري من طرف أنفه: أحملها لقصري! ورمى عليه خمسة دراهم وانطلق يثير الغبار على البائع والمتنبي، فقال الأخير: لماذا أطلبها بسبعة وتبيعها لهذا بخمسة وتحملها أنت أيضاً؟! فقال البائع: يا أحمق، هذا يملك ملايين الدراهم!.. فقال المتنبي بعجب: وإذا كان؟ فلم يعرف البائع كيف يرد على هذا السؤال الغبي، ولكن المتنبي عرف أهمية المال فسخر شعره لنيل الثراء الفاحش! @ @ @ ومن أمثالنا الشعبية في هذا المعنى: "زلات التاجر مرفيه" أي مغفورة، وقولهم "إن كثر مالك صدقوا لك وزاروك" و"كثر المال يغطي العيوب" و"القلب دكَّان" أي متجر يحب التجار! @ @ @ ويقول معروف الرصافي في مقارنة اجتماعية بين الغني والفقير: وقد يفتري المالُ الفضائل للورى وليس لهم ممَّا افتراهُ نصيبُ وللفقر بين الناس وجهٌ تبينَّتء به حسناتُ المرء وهي ذنوبُ لقد أَحءجَمَ المثري فَسَمُّوهُ حازماً وأحجم ذو فقر فقيل هيوبُ وإن يتواضعء مُعءدَمُ فهو صاغرٌ وإن يتواضع ذو الغنى فنجيبُ! وذو العُدءم ثرثارٌ بكثر كلامه وذو الوَجءد منطيقٌ به ولبيبُ! فصفات الغنى حسنات وإن وجدت هي نفسها في الفقير تحولت إلى سيئات!!.. هذا اختلال في الموازين الاجتماعية فالله عز وجل يقول (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والعاقل يزن الناس بأخلاقهم وحسن تعاملهم وليس بكثرة أموالهم. @ @ @ ويقول الشاعر يصف أحوال أكثر الناس وإن لم يوافق عليها: المال يستر كُلَّ عيب في الفتى والمال يرفعُ كُلَّ وَغءد ساقط! ويقول عروة بن الورد: خاطر بنفسك كي تصيب غنيمة إنَّ القعودَ مع العيال قبيحُ المالُ فيه مهابةٌ وتجَلَّةٌ والفقرُ فيهَ مَذَلَّةٌ وفضوحُ ويقول: وتُلءفي ذا الغنى وله جلالٌ يكادُ فؤادُ صاحبه يطيرُ! قليلٌ ذَنءبُهُ والذنبُ جَمُّ ولكنء للغني ربٌّ غفورُ! ويقول جميل صدقي الزهاوي: الناسُ لا يُكءبرُونَ منهمُ إلا الذي كان ذا يَسَار فأنتَ بالمال ذو نفوذ وأنتَ بالمال ذو اقتدار! @ @ @ ويقول الشاعر الشعبي الحكيم حميدان الشويعر: الأموال ترفع من ذراريه خانسهء والقلّ يهفي ما رفع من مغارسهء الا يا ولدي صَفءر الدنانير عندنا تنطق شفاه في لياليك خارسه وترفع رجال بالموازين سلمت الى نقص من يَمّ الحصا عاد ناكسه يقول في البيت الأخير إنه لو وزن رجلان أحدهما فاضل فقير والآخر ثريٌّ متكبر فإن الميزان يرجح الفاضل في الأصل، ولكن مال الغني يثقل الكفة التي هو فيها كما يُثَقَّل الميزان بالأحجار! قلت: ورد في حديث رواه البخاري ومسلم أنه مَرّ رجلٌ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك بهذا؟ قال: رجلٌ من أشراف قريش، هذا والله حريٌّ إن خَطَبَ أن يُنءكح، وإن شفع أن يشفع. ثم مر رجلٌ فقال رسول الله: ما رأيك بهذا؟ فقال: يا رسول الله، هذا رجلٌ من فقراء المسلمين، هذا حريٌّ إن خَطَبَ أن لا يُنءكح، وإن شفع ألا يُشَفَّع، وإن مال أنء لا يُسّمَع لقوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا".