«سفر المواطنين بحثا عن العمل في الدول المجاورة «..ليست ظاهرة بهذا المعنى لكنها قضية واقعية ومتزايدة ينبغي أن نقف على كافة أبعادها ودلالاتها والأسباب الحقيقية لها وانعكاساتها على مختلف الجوانب.. في البدء قد يبدو الأمر لدى الكثيرين متاحاً، وربما طبيعياً.. ووجهة نظرهم أن المواطن هدفه البحث عن فرصة عمل مثل غيره من أبناء الشعوب الأخرى المتقدمة والنامية، وهذه الفرصة تتوافر على مزايا قد لا تتحقق في مجتمعه «مادياً، إدارياً، مهنياً، طبياً،...»، وبالتالي قرار السفر للعمل في الخارج لا يعني التخلي عن وطنه، أو أنه يرفض أو يساوم..لا..بل هو يبحث عن عمل مناسب وبيئة جديدة يستمد منها الخبرة التي قد تنعكس على ممارساته ويفيد بها وطنه مستقبلاً..أما البعض الآخر فيرى أن عمل المواطن في الخارج، وتحديداً في دول الخليج يدق «ناقوس الخطر»؛ ليس على مستوى من يبحثون عن وظائف إدارية محدودة، وإنما خشية تسرب الكفاءات من الأكاديميين والأطباء والمميزين من جانب، والمبتعثون الدارسون على حسابهم الخاص أو على حساب الحكومة من جانب آخر، بهدف البحث عن امتيازات مالية ووظيفية وفرص أفضل لم يجدوها في وطنهم.. استفتاء «الرياض» وفي استفتاء أجرته "الرياض"على موقعها الإلكتروني لمدة شهر للتعرف على أسباب سفر المواطنين للعمل في الخارج..أجمع المشاركون على أن البطالة أولاً، وتدني المرتبات في المملكة ثانياً، ثم الحوافز المغرية في كثير من الدول القريبة ثالثاً..ورغم تعدد الأسباب فالنتيجة واحدة، حيث سجلت نسبة عمل السعوديين في دول الخليج كمثال أرقاما قياسية في السنوات الماضية. وطالب المشاركون لتغيير وجهة نظر من يفكر في السفر للعمل في الخارج، لاسيما من أصحاب الكفاءات؛ بضرورة إعادة النظر في سلم رواتب الموظفين الذي عفا عليه الزمن منذ ثلاثة عقود ولا يزال، والسعي إلى تحديثه ليواكب متطلبات العصر والظروف الاقتصادية المتغيرة لكثير من الأسر السعودية. "الرياض" وعبر أجزاء هذا التحقيق تسعى لتسليط الضوء على كافة محاور هذه القضية.. حيث رصدنا بدايةً آراء عدد من المواطنين حول هذا الموضوع عبر استفتاء موسع فكان التالي: البيئة الصحية بدايةً شدد نزار الحباب على أن بيئة العمل الصحية -كما يصفها-، ثم الدخل الجيد والمميزات الأخرى من سكن وأمان وظيفي وتطوير مستمر للموظف؛ سبب لاتجاه البعض من المواطنين للعمل بدول مجاورة، ويوافقه الرأي د.علي إبراهيم، حيث يؤكد على أهمية وجود بيئة عمل مناسبة للمواطنين تحفزهم على العمل والإنتاج، مستشهداً في ذلك بدول آسيوية بدأت من الصفر مثل اليابان وسنغافورة، مشيراً إلى إن الموارد البشرية لدينا بحاجة إلى إعادة هيكلة، وتكوين بيئة عمل أفضل مما هي عليه الآن، بما يساعد على الانتاج والتفكير والابداع، موضحاً أن عدداً من الطلبة المبتعثين لديهم هذه المميزات، إلا أنهم قد يفرون بجلدهم للخارج لتنمية مواهبهم، ودعا من جانبه إبراهيم العجلان إلى الاهتمام بالكفاءات وتوفير فرص عمل مناسبة لهم في المجالات التي أفنوا أعمارهم فيها للدراسة.. البطالة المتهم الأول! ويذهب وليدعبدالعزيز في تعليقه على هذا الموضوع إلى التأكيد على أن البطالة هي سبب سفرالبعض للخارج بحثاً عن عمل، ويقول: نحن خريجي الجامعات ومنذ أكثر من خمس سنوات وحتى الآن لم نجد وظائف في مجال التعليم بالمدارس الحكومية، ونتمنى فتح القبول للخريجين للتدريس بالجامعات الخليجية، بينما يرى محمدالهاجري وجهة نظر مخالفة، حيث يقول: إن الكوادر الوطنية وبكل أسف غير مؤهلة للعمل في الخارج، مشيرا إلى أن أكثر ما نعاني منه منذ بدء تطبيق السعودة الإجبارية -كما يقول- هو عدم التزام الموظفين بالعمل وغياب الإحساس بالمسؤولية، ويضرب مثالاً على ذلك بمحاسب صندوق أحد الأسواق الذي لايجيد عمله ليتسبب في خلق طوابير طويلة تصطف أمامه، بينما لم يحضر زملاؤه الآخرون للعمل ومن دون إخطار رب العمل بغيابهم. ويضيف لننظر لسائقي الأجرة في مطاراتنا لنعرف حجم المأساة كمايراها هو، وكل ذلك إفراز طبيعي لشباب غير مؤهل تأهيلاً جيداً للعمل، لذا أرى أن نوعية هؤلاء لاتصلح للعمل خارج المملكة، لأن مثلهم يبحث عن العمل المريح ويعلوه الكسل، وهذا لايخفي وجود نوعية أخرى من شبابنا وصفهم بالمحترفين الذين يعملون بجد ويحترمون عملهم ويتحملون المسؤولية، موضحا أن هذه النوعية الأخيرة نادرة ومطلوبة وبالتالي مسألة السفر للعمل بالنسبة لها غير واردة نظراً لكثرة الخيارات الجيدة أمامهم. الوظيفة المناسبة هاجس الكثير من المبتعثين بعد انتهاء الدراسة.. والخوف من تسربهم للعمل في الخارج الهجرة العلمية! وأبدى سعد مخاوفه مما أسماها بالهجرة العلمية للمواطنين في حال لم يكن هنالك تخطيط جيد لدى الجهات المعنية لتسكين المبتعثين في وظائف تلبي طموحاتهم، وتثبت وجودهم وتنسيهم مشقة سنين الدراسة، مشيراً إلى أن الأنظمة البيروقراطية التي تحول دون تحقيق هؤلاء طموحاتهم في تطوير انفسهم قد تكون مصدر تخوف على هذه النوعية من الكفاءات. من جانبه يرى عبدالرزاق العنزي أن التشديد في الشروط على المتقدمين للوظائف المدنية أو العسكرية سبب لسفر الكثير للخارج بحثاً عن عمل، كما أن قلة الأكاديميات والجامعات من وجهه نظره تجعل الفرد يتغرب بحثاً عن ذلك. وأضاف سبب آخر وهو سيطرة العامل الوافد على أغلب الوظائف -على حد قوله- على الرغم من أنهم لايحملون جميعاً نفس المؤهلات التي لدى ابن البلد، وطرح العنزي تجربته فيما يقول حيث يحمل عدة شهادات دراسية ودورات حاسب ولغة إنجليزية لم يقبل في عدد من الجهات الحكومية والشركات الخاصة وظل عاطلا هذا العام -كمايقول- في انتظار فرص وظيفية جديدة. سلم الرواتب جامد واختلفت الرؤى والطروحات ووجهات النظر العديدة على طرح "الرياض" لهذه القضية الهامة، حيث ذهب إبراهيم الطحيني في مشاركته إلى أن هنالك عدة أسباب لهذا الموضوع، وقال: إن الأهم هو توفر كل وسائل البحث العلمي بكل أدواته الفنية والعلمية والاقتصادية والنفسية وإشباع نهم كل باحث أمر مهم داخل كل مجتمع. وأضاف: لدينا في مجتمعنا ثقافة محدودة لدى البعض ومبالغة مفرطة بالتمسك بالموروث، وأيضا النفور الشديد من كل ماهو جديد، ونتج عن ذلك عدم توفر مراكز للبحث العلمي واستقطاب للمبدعين، إلى جانب عدم الوعي بأهمية التخطيط الاستراتيجي والتنموي الواعي، ونقص القيادات الإدارية والثقافية في البلد التي يمكن ان تقوم بدور فاعل في التوعية والارشاد ونماذج يقتدى بها، وتوافقه الرأي جمانة، حيث تقول إننا لانشجع وندعم الباحث والعالم والمتميز بشكل جيد لذا هاجروا خارج وطنهم ووجدوا من يدعم أفكارهم ويحفزهم. وطالب أبوراكان من جانبه بضرورة إعادة النظر في سلم الرواتب الذي وضع قبل 30 عاماً، وإعادة بنائه وفقا لمتطلبات حياة هذاالعصر، مشيراً إلى أن المغريات بالخارج كثيرة جداً وأهمها الفرق الواضح بين متوسط الفرد في دول الجوار ودخل الفرد هنا. المغريات المادية وقال أحد المشاركين وهو مبتعث حالياً لدراسة الماجستير في إدارة الأعمال إنه وجد فرصاً وظيفية مغرية جداً في الدول المجاورة، وبمرتب يتجاوز ما سأحصل عليه في الداخل بنسبة 250%. وتؤكد ريم السبيعي أن هنالك الكثير من المواطنين والمواطنات استقروا بالفعل في دول خليجية وبعضهم حصل على الجنسية -على حد قولها- بعد أن وجدوا مغريات مادية ووظيفية. ولخص يوسف المحمدي من وجهة نظره أسباب تزايد هذه القضية إلى الدخل المادي المجزي الذي يحصل عليه الموظف في دول الخليج، إضافة إلى بيئة العمل المثالية بدون بيروقراطية للحصول على أي حق للموظف، وكذلك تقدير الإنجازات والشعور بالرضا عن الذات، وبالتالي السعادة والراحة أثناء العمل. هاجس المبتعثين وأضاف مبتعث آخر يدرس القانون في إحدى الدول إنني أجد فرقاً بيني وبين أصدقائي في الدراسة من مواطني دول الخليج، حيث أفكر طوال فترة دراستي بكيفية حصولي على الوظيفة بعد سنوات الدراسة وأعيش هذا الهاجس بينما هم مرتاحو البال بعد أن ضمنوا وظائفهم قبل تخرجهم. 2411 موظفاً في الكويت وعلى الرغم من مسؤولين في وزارة العمل بالمملكة قد رفضوا في تصريحات صحفية سابقة وصف اتجاه أو تسرب السعوديين للعمل في أسواق العمل الخليجية بالظاهرة، إلا أن الواقع يخالف ذلك مع كشف رئيس ديوان الخدمة المدنية الكويتي في تصريحات سابقة عدد السعوديين العاملين في الوظائف الحكومية بالكويت حيث يتجاوز 2411 موظفاً يعملون في 24 وزارة وهيئة وجهة حكومية بالكويت، وأمام ذلك أكد وكيل وزارة التربية والتعليم بالكويت في تصريح له تقدم ألف معلم ومعلمة من السعودية بطلبات للعمل في وزارة التربية الكويتية، وليس هذا فحسب حيث عزز هذه التأكيدات أيضا وكيل وزارة العمل الاماراتية الذي أكد أن العامل السعودي أولى من غيره في نيل الوظائف التي يوفرها قطاع الاعمال الاماراتي بشكل"سنوي" مشيراً إلى أن بلاده ترحب باستقطاب السعوديين للعمل لأنهم أثبتوا كفاءتهم، وأمانتهم.