للتجارب الشخصية أثر كبير في حياتنا .. أظن أننا لا نعرف قيمة الأشياء إلا حينما نجربها .. دائما كنت أرى أننا لا نعرف قيمة الفرح إلا حينما نتجرع مرارة الحزن .. ولا نعرف طعم النجاح إلا حينما نقع فريسة للفشل .. ولا نعرف قيمة السعادة إلا حينما نصاب بالأسى .. أي أننا لا نعرف قيمة الأشياء إلا حينما نجرب نقيضها . كان احد الأصدقاء يقول ( أود أن أتعلم من أخطاء الآخرين ) ، وأظننا لا نتعلم إلا من أخطائنا .. ومهما قرأنا عن أخطاء الآخرين وعثراتهم لا نتعلم .. لأننا لا نشعر بمرارة الوقوع بالخطأ .. لا بد من أن نتعلم من أخطائنا .. وكثير من لا يتعلم حتى من أخطائه .. تجده يقع في ذات الخطأ مرات كثيرة دون أن يرتعد .. يأسى ويندم ويتحسر .. لكن ضعفه البشري يقوده إلى ذات الخطأ .. هناك أخطاء مقبولة ولا بأس بها .. وهناك أخطاء بغيضة ومذمومة ومحرمة .. تلك التي يجب أن نجتنبها ونبتعد عن دروبها .. بالطبع بعد عشرين عاما سألت صاحبي عن أخطاء الآخرين التي تعلم منها .. فأدهشني حين قال إنه لا مفر من أن نتعلم من اخطائنا !!. عن التجارب الشخصية هناك الكثير من القصص والحكايات .. لا تتوقف تجاربنا ولا نتوقف عنها .. تختلط المغامرة بالهوس ، والاندفاع بالعاطفة أحيانا كثيرة في تجاربنا الشخصية .. عندما يشدنا أمر ويشغل تفكيرنا .. نضع لأنفسنا تبريرات كثيرة تحت إلحاح الرغبة في خوض تجربة جديدة .. لا نتوقف عن الهوس بالتجارب .. وكل تجربة بلا شك لا بد أن تضيف إلى رصيدنا معاني جديدة .. حتى وإن كانت تجربة فاشلة أو غير موفقة فلا بد أن نستفيد منها حتى لا تكون خسارتنا مضاعفة .. وتذهب تجربتنا أدراج الرياح. هناك تجارب نعتز ونفتخر بها .. وتجارب نتمنى لو أننا لم نخضها .. ونسعى من أجل أن ننساها بأسرع وقت. لي صديق لا يكف عن التجارب .. في الزواج له عدة تجارب كما في الحب كذلك .. وفي العمل اشتغل في أكثر من وظيفة .. وكان يتنقل بينها .. وحينما قرر أن يكون رجل أعمال .. خاض عدة تجارب في مجالات استثمار عديدة .. وحينما يسافر يحب أن يجرب فنادق مختلفة للسكن .. مع أن هناك من يفضلون الاستقرار في ذات الفندق الذي يقيمون فيه ولا يحبون تجربة غيره .. ومنذ أن حصل على رخصة قيادة .. وعلى مدى عشرين عاما وهو في السنة يجرب نوعين أو ثلاثة من السيارات .. وهكذا .. فإن حياة صاحبي ما هي إلا حقل تجارب كبير .. هناك من يتفقون مع صاحبي وهناك من يختلفون مع تجاربه الكثيرة .. لكنه في كل الأحوال سعيد للغاية بكل تجاربه .. ومستمر فيها. هناك من يوثقون تجاربهم ويدونونها في يومياتهم .. وهناك من يتجاهلونها وكأن شيئا لم يكن .. إن الكثير ممن غيروا العالم .. وقادوا إنجازات كبيرة سواء سياسية أو علمية أو اقتصادية أو ثقافية أو فكرية أو غيرها .. كان دافعهم الأول التجربة .. وكان سبيلهم الأول التجربة حتى وصلوا الى ما وصلوا اليه .. وبعد أن نجحوا فيما نجحوا فيه خلدهم التاريخ .. وصارت سيرتهم دروسا تُتداول .. لأنهم نجحوا في تجاربهم .. وهناك غيرهم كثيرون .. حاولوا وحاولوا .. وخاضوا تجارب كثيرة دون أن يتحقق لهم النجاح .. فذهبت سيرتهم أدراج الرياح ولم يذكرهم أحد. لو لم يخض العلماء في حقل التجارب لما نجحت مدام كوري في مجال الكيمياء ، ولما اكتشف نيوتن قوانين الحركة ، ولم يصل أنشتاين الى النظرية النسبية ، ولم يكتشف جيمس واط المحرك البخاري ، ولو لم يشغل جراهام بل وقته في التجارب لما اكتشف الهاتف .. ولو لم يشغل العلماء وقتهم بالتجارب لما عرفنا الأنسولين لعلاج مرض السكر والذي يعد واحدا من أهم الاكتشافات العلمية .. ولا وصلنا الى الكثير من الحقائق العلمية والانجازات الطبية .. لولا التجربة لما اكتشف المتنبي موهبته الشعرية ولما عرف بيكاسو مهاراته الفنية ولما تعرف أغلب المبدعين على مهاراتهم. التجربة هي الطريق الأول للاكتشاف .. التجربة هي الحافز الأكبر للسير في طريق المعرفة .. لا تكتشف قدراتك ومهاراتك إلا حينما تخوض غمار التجربة .. إذا لم تجرب الرسم أو النحت أو الكتابة او الطبخ أو أي مهنة أو هواية أخرى .. فكيف ستستكشف مواهبك وقدراتك؟ التجربة هي البرهان الوحيد على ابداعاتك . وهي أول الطريق الذي ستسلكه في تميزك. ماذا عن تجاربكم الشخصية في مختلف نواحي الحياة .. ماذا عن تجارب الابداع واكتشاف الذات .. كيف تعرف قدراتك وأنت لم تجرب .. كيف تكتشف حضورك وأنت لم تخض أي تجربة .. هناك من يخشون التجارب خوفا من الفشل .. هناك من يظل الخوف من الفشل هاجسا يسيطر على حياتهم .. فيعيق تقدمهم .. ويجمد اقدامهم .. ويكسر كافة نواحي القوة بداخلهم .. كيف نعرف معنى الحب ونحن لم نجربه .. كيف نشعر بقيمة الأشياء الأخرى المحيطة بنا ونحن نخشى أن نجربها .. أو نفتح غطاء السرية الذي يحيط بها. لا تخشوا التجارب .. فهي التي تضيف الى الحياة متعة أخرى .. صدقوني .. ودمتم سالمين.