جميعنا لاحظ أن الأطفال يتعلمون اللغات الأجنبية بشكل أفضل وأسرع من الكبار... وجميعنا يعرف أن المراهقين يتفوقون في قيادة السيارات مقارنة بآبائهم... وجميعنا على قناعة بأن أطفال اليوم يتعاملون مع الكمبيوتر والأجهزة الحديثة وكأنها مبرمجة في أدمغتهم منذ الولادة... وهذه كلها مجرد نماذج لمهارات يتفوق في تعلمها الصغار على الكبار والأبناء على الآباء والأحفاد على الأجداد.. بل يلاحظ أن الصغار يتفوقون نوعيا (فيما يتعلموه) على المجموعة الأكبر سناً حتى نهاية العمر.. فمن يتعلم لغة أجنبية في سن مبكرة يظل متفوقاً حتى نهاية العمر على من تعلمها في سن متأخرة، ومن يتعلم القيادة صغيرا يمتلك مهارات نوعية يستحيل على المتأخرين مجاراتها، ومن يتعلم الكمبيوتر منذ طفولته يصبح جزءا من شخصيته في حين يجاهد الكبير لنقل أصبعه من زر لآخر!! وفوارق كهذه تعود لأسباب كثيرة ومتداخلة يمكن اختصارها في ثلاثة عوامل رئيسية: الأول انتفاء الحاجز النفسي لدى الصغار... والثاني التحجر المرجعي لدى الكبار... والثالث مرونة الطفل في التعامل مع الأشياء... فبالنسبة للعنصر الأول: يلاحظ أن الكبار بعكس الصغار يتهيبون من الأشياء الجديدة ويتحاشون تعلمها أو تجربتها.. فهم ببساطة يخشون عاقبة الفشل ويفضلون التمسك بما عرفوه منذ القدم (ويحاولون جهدهم ألا يكتشف ذلك إنسان).. وفي المقابل يتعامل الأطفال مع ما تعلموه ببراءة دون خوف أو اهتمام بآراء الآخرين؛ فهم ينطقون الكلمات الأجنبية بصرف النظر عن صحتها، ويبادرون لتعلم الكمبيوتر بلا خوف من الفشل، ويتعلمون قيادة السيارات ولم يدركوا بعد أهمية السلامة وخطورة التهور... أما بالنسبة للسبب الثاني (وهو ما أدعوه بالتحجر المرجعي) فنلاحظه حين يتعلم الكبار لغة أجنبية جديدة .. فكبير السن يتعلم اللغة الجديدة اعتمادا على مخارج الحروف في لغته الأصلية؛ وبالتالي يظل ينطق الكلمات الأجنبية بنفس لهجته المحلية لدرجة يمكنك التفريق بين الفرنسي والعربي والروسي حين يتحدثون باللغة الإنجليزية مثلا.. وهذا الأمر ينسحب على معظم المهارات الجديدة التي يحاول الكبير تعلمها؛ فهو يحاول تلقائيا ربط المهارة الجديدة بمهارة قديمة يعرفها أو أسلوب مألوف سبق تجربته... أما الطفل فيبدأ دائما (من الصفر) ويتعلم المهارات الجديدة (من أساسها) دون خلفيات مسبقة؛ فهو يتعلم اللغة الأجنبية من منبعها الأصلي وينطقها كما يسمعها من أهلها الأصليين.. كما يتعلم الكمبيوتر بمعزل عن إرث العمل التقليدي، ويقود السيارة دون تراكم مسبق أو قيود يفرضها القانون والمنطق! أما العامل الثالث (المرونة العقلية) فنلاحظه من خلال استعداد الطفل لتجربة العديد من الاحتمالات.. فهو يتعلم من أخطائه مرارا وتكرارا دون اهتمام بالنتيجة. وحين يجد الطريق مفتوحا أمامه كما هي طبيعة الكمبيوتر مثلا يجلس لساعات بلا ملل لمعرفة وتجربة كافة الاحتمالات.. وهذه المرونة كثيرا ما تقود الى التفوق والإبداع وقد تنتهي بالثراء والنجومية في حال استغلت في سن صغيرة.. فمن الملاحظ مثلا أن أعظم المبرمجين بدأوا أعمالهم في سن المراهقة وكونوا ثروات طائلة في سن الشباب؛ فبيل جيتس (مؤسس شركة ميكروسوفت) وستيف جوبز(مؤسس شركة آبل) وزاكرياس (مؤسس موقع الفيسبووك) يتربعون حاليا على قمة أثرياء العالم بعد أن بدأ لديهم الكمبيوتر كهواية وهوس قبل أن يتحول الى عمل و"منجم ذهب".. وحاليا يوجد في أمريكا أكثر من 250 مراهقاً من هذا الطراز يكسبون سنوياً أكثر من 100 الف دولار ! ... وبناء عليه؛ إن لم تكن صغيراً فلا تكن متخوفاً أو متحجرًا أو تخشى المجازفة.. وياحبذا لو تتعلم من طفلك كيف يتعلم !