اعتادت وسائل الإعلام الاقتصادي على مسايرة الموجه العامة التي تركز على إبراز الأخبار الايجابية ونفي الأخبار السلبية مما تسبب في فقدان بعض المسئولين والمؤسسات الإعلامية للمصداقية خصوصا عندما تثبت صحة ماتم نفيه وتتأكد مقولة "النفي دليل الإثبات" فمخاطر تلك السياسة أنها حولت وسائل الإعلام الى "سدود" تحول دون التدفق التدريجي للمعلومات الاقتصادية السلبية لكافة المعنيين بها ليتناسب الأثر مع حجم معلومة، فبسبب تأثير تلك المعلومات على الأسواق المالية فان حجبها عن الجميع أتاح الفرصة لمن يعلم بها بالإثراء عبر الخروج بأعلى الأرباح، كما انه أيضا بسبب ذلك فان الأخبار السلبية مع استمرار حجبها تتضخم وتنفجر فجأة كطوفان مدمر لمن يجهل بها بسبب ان وسائل الإعلام تتشجع على نشر كل مالديها من أخبار سلبية دفعة واحدة مدعومة بآراء المسئولين والمحللين ليستغل البعض ذلك بإبراز أثرها السلبي لاقتناص فرصة الهلع. فاعترف نائب الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي بان "حكومة باراك اوباما لم تحسن قراءة الاقتصاد والى أي درجة كان الاقتصاد سيئاً" كان تعبيرا عن حجم الإرث السيئ للازمة، ولكنه كشف لنا كيف اعتمد قادة العشرين على مقترحات مسئولين يجهلون حجم الأزمة ومخاطرها، فالحقائق السلبية الكبيرة عن الأزمة كانت معروفة للإدارات التنفيذية ولكن هناك من أخفاها لتمرير خطط الإنقاذ، ففي قمتي الدول العشرين حاولت أمريكا تضخيم نظرية الإنفاق الحكومي الموجهة للدول الخليجية - وليس للدول التي تعاني من البطالة- لدفعها للمزيد من صرف الأموال لكون اطلاع تلك الدول على حقيقة الأزمة ومحدودية اثر إنفاق المال الخليجي على إنعاش الاقتصاد الأمريكي سيدفعهم لتوفير المال واتخاذ سياسات نقدية تضر بالدولار، ولذلك بالغت وسائل الإعلام الغربية في إبراز جهود دول العشرين وأعطت انطباعا بان الأزمة انتهت ودللت على ذلك بارتفاع الأسواق المالية، في حين أن المعلومات المتوفرة تشير الى فشل تلك الجهود وان الأسواق المالية يجب أن تتفاعل مع نتائج الشركات وماعدا ذلك فهو مضاربات "خطط الإنقاذ... تفوق "هوامير الوول ستريت" على رؤساء الدول، 21/3/2009م" وكالمعتاد فعندما انكشف الخبر السلبي سارعت وسائل الإعلام مؤخرا للكشف عن معلومات سلبية (كطوفان جديد) يحمل تحليلات حولت كحقائق تؤكد عدم حدوث الأسوأ للازمة العالمية حتى الآن، فهل ستواصل الدول النفطية ضخ الأموال مادام أن الحقائق انكشفت وانه من الأفضل الهروب خارج نطاق الدولار؟ إننا نتذكر ماكشفه الدكتور عبدالرحمن الزامل بهذه الجريدة قبل عام عن مخاوفه من نشوء أزمة بين المحاكم وتجار العقار نتيجة إلغاء صكوك لمخططات ليس لها أساس، والذي تسبب في ردود أفعال غاضبه نتيجة شفافيته عن موضوع غير مرغوب كشفه للجميع، ولكن بعد مرور أشهر انكشفت الحقائق وتبين تورط البعض في أراضي وهمية لجهلهم بحقيقتها وأن هناك تدقيقا في الصكوك وتأخيرا في الإفراغ، ليشتكي العقاريون للجريدة من ذلك لكونه أبطل صفقات عقارية كبرى. كما أن مؤسسة النقد والبنوك المحلية سبق لها التأكيد بعدم التأثر بالأزمة العالمية ودللت بالقوائم المالية "المجملة" بسبب عدم تضمينها مخصصاً للقروض المتعثرة، فالمسئولون اجمعوا إعلاميا على سلامة البنوك على الرغم من أنهم وموظفي البنوك يعلمون باللجان التي تبحث مشاكل القروض، ومع تلميحنا السابق بوجود تلك المشكلة التي تم التكتم عليها أشهر طويلة، تجاهل الجميع ذلك كثقة في الجهات الرسمية، ولكن بكل أسف فمع انكشاف مجموعة سعد وشركة القصيبي على بنك بحريني ونشر وكالات أجنبية لحجم قروض الشركة البالغة (34) مليار ريال ومنها(10) مليارات ريال لبنوك محلية، تحررت وسائل الإعلام لدينا من الحرج لتسارع بشكل مكثف على نشر حقائق عن مشكلة تعثر رجال أعمال وشركات في سداد القروض، ولنكتشف جانبا كان متكتما عليه عن كيفية الإقراض بالاعتماد على الثقة واسم الشهرة وبدون ضمانات، وحاليا يشتكي الجميع من عدم إفصاح البنوك عن ديونها على مجموعة سعد والقصيبي متجاهلين الآخرين، فهل ننتظر حتى تكشف دولة أخرى عن احدهم لتسارع صحفنا بتزيدنا بالتفاصيل؟ أن الإفصاح العام عن المعلومات الحقيقية مهما كان نوعها وأثرها مطلباً يجب أن يتحقق لرفع مستوى الثقة بالإعلام الاقتصادي وعدم التغرير بمن يجهل تلك المعلومات.