أثار الوضع الراهن للمنتخب السعودي الأول لكرة القدم في تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم في جنوب أفريقيا عام 2010 والذي بات يتهدده بعدم التأهل المخاوف لدى مسيري المنتخب وأنصاره من فقدان بطاقة الصعود للمونديال للمرة الخامسة على التوالي في تاريخه وهو الذي عرف الطريق لأكبر تظاهرة عالمية منذ العام 1994 في البطولة التي استضافتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. تلك المخاوف جعلت اتحاد الكرة السعودي يتحرك في غير اتجاه بحثا عن الخروج من المأزق الصعب، وكانت أولى بوادر الحراك قبول استقالة المدرب الوطني ناصر الجوهر والتي جاءت في أعقاب الخسارة المدوية من منتخب كوريا الشمالية التي جرت في بيونج يانغ والتي رمت المنتخب في المركز الرابع في مجموعته خلف كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وإيران ومتقدما فقط على الإمارات، ليعلن بعد ذلك التعاقد مع مدرب جديد هو البرتغالي بوسيرو. ورغم أن البعض كان قد فسر استقالة الجوهر بأنها عملية مرتبة تفاديا للخيار الأمر وهو الإقالة، إلا أن الواقع كان يحتم ضرورة الطلاق بين الجوهر والمنتخب السعودي، بعد سلسلة من الإخفاقات سواء في تصفيات المونديال أو في كأس الخليج التاسعة عشرة التي خسر فيها «الأخضر» اللقب على يد المنتخب العماني في البطولة التي استضافها في العاصمة مسقط في يناير الماضي. ويظلم الجوهر الذي نجح مع المنتخب السعودي غير مرة حينما يحمل وحده تبعات التدهور الذي يشهده المنتخب، لكونه لم يكن حدثا طارئا وإنما هو حلقة في سلسلة الإخفاقات التي باتت سمة في الحضور السعودي خلال العقد الأخير، ليس على مستوى المنتخب الأول الذي فقد الكثير من استحقاقاته، وتنازل عن العديد من ألقابه، بل حتى على مستوى المنتخبات السنية حيث بات منتخبا الشباب والناشئين يتعثران في الصعود لنهائيات كأس آسيا، وحينما يصعدان فإنهما لا يستطيعان المضي بعيدا إذ سرعان ما يودعان البطولة وهو ما يحرمهما من الفوز بإحدى بطاقات التأهل لمونديالي الشباب والناشئين كما حدث مؤخرا في بطولة آسيا للشباب في الدمام وبطولة الناشئين في طشقند. في الثمانينيات كانت الانطلاقة } لا يخفى على أي متابع لمسيرة المنتخبات السعودية أن البداية الفعلية لتفوق الكرة السعودية كانت في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، ففيها فرض «الأخضر» نفسه سيدا على القارة الآسيوية بعد أن استطاع وخلال عقد كامل أن يفرض سطوته على نظرائه من منتخبات القارة بعد أن تأهل في العام 1984 لنهائيات دورة الألعاب الاولمبية في لوس أنجلوس، وحقق في العام نفسه بطولة آسيا في سنغافورة لأول مرة في تاريخه، كما حقق منتخب فئة الشباب كأس فلسطين في العام 1985 وكأس آسيا ال 25 في الرياض في العام 1986 وكأس الصداقة الدولية في مسقط عام 1989، قبل ان يعود من جديد في ذات العام ويحقق كأس آسيا ال25 في ابوظبي، فضلا عن تأهله لنهائيات كأس العالم للشباب خلال هذا العقد ثلاث مرات اعوام 1985و1987و1989، فيما شكل منتخب الناشئين حدثا بحد ذاته عبر انجازاته المهمة والتي تمثلت في تحقيقه لكأس آسيا للناشئين مرتين، كانت الأولى في الدوحة عام 1985،قبل ان يعود مجددا لتحقيق اللقب مرة ثانية عام 1988 في بانكوك، وعبره تأهل لكأس العالم في اسكتلندا عام 1989 ليفجر المفاجأة الكبرى بتحقيق للقب. في التسعينيات العبور للعالمية جاء عقد التسعينيات والكرة السعودية تقف على قمة القارة الصفراء، رغم أنها تعرضت وهي على مشارف العقد الجديد لهزة عنيفة تمثل في فشلها من جديد في بلوغ نهائيات كأس العالم في ايطاليا عام 1990، وبغت الهزة أقصى درجاتها بفقدان «الأخضر» للقبه الآسيوي في اليابان على يد المستضيف في العام 1992 حيث حل وصيفا له، إلا أن ذلك لم يعرقل انطلاقته بل على العكس فقد زاده ذلك رغبة في تخطي حدود القارة والانطلاق نحو العالمية التي استعصت عليه في حقبة الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وكان له ما أراد حينما نجح ولأول مرة في تاريخه في كسر حواجز الوصول للمونديال الذي يعد أكبر تظاهرة كروية في العالم حينما تأهل لكأس العالم في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1994 بعد تجاوزه للتصفيات النهائية المؤهلة عن قارة آسيا التي جرت في الدوحة عام 1993، ولم يكتف «الأخضر» بمجرد الإطلالة العالمية بل سجل إنجازا جديدا له وللمنتخبات الآسيوية حينما نجح في التأهل لدور ال 16 كأول منتخب آسيوي يحقق هذا الانجاز بعد أن قدم مستويات ونتائج لافتة في البطولة. وعاد المنتخب من المونديال وهو في عنفوانه ما ساعده في نفس العام على تحقيق كأس الخليج ال 12 التي أقيمت في العاصمة أبوظبي، وهي الدورة التي استعصت عليه منذ انطلاقتها أول مرة في العام 1970، ليوجه أنظاره بعد ذلك نحو استعادة اللقب الآسيوي المفقود الذي نجح - بالفعل- في استعادته في بطولة آسيا التي جرت في أبوظبي في العام 1996 حينما واجه المنتخب الإيراني في المباراة النهائية. وواصل المنتخب السعودي جموحه حيث استطاع بعد ذلك بعام واحد من تجاوز تصفيات آسيا المؤهلة لكأس العالم في فرنسا عام 1998 ليصل للمونديال للمرة الثانية على التوالي، ليطوي بذلك صفحة انجازاته في هذا العقد الذي شارك خلاله أيضا في بطولة القارات لأربع مرات متتالية أعوام 1992و1995و1997و1999، وكان قد حقق المركز الثاني في البطولة الأولى. في هذا الوقت كانت المنتخبات السنية تحقق هي الأخرى الانجاز تلو الانجاز غير أن الانجاز الأهم في هذا العقد هو ما حققه المنتخب الاولمبي بتأهله لدورة الألعاب الاولمبية التي جرت في أتلانتا عام 1996، وتحقيق منتخب الشباب لكأس آسيا عام 1992 في البطولة التي جرت في أبوظبي، والتأهل لكأس العالم عام 1994 التي أقيمت في استراليا، ثم تأهله مرة أخرى لكأس العالم في نيجيريا عام 1999،فضلا عن تحقيقه لكأس الصداقة الدولية لمرتين في العاصمة مسقط عامي 1991و1994. الألفية الجديدة وعقد الإخفاقات وما إن أطلت الألفية الجديدة برأسها حتى دخلت الكرة السعودية نفق الإخفاقات على مستوى جميع المنتخبات، وما عادت الانجازات هي القاعدة بل على العكس تماما إذا تحولت إلى استثناء، ولعل الراصد للمشاركات السعودية منذ العام 2000 وحتى اليوم يدرك ذلك جيدا. وكانت بداية دخول هذا النفق بنزول المنتخب الأول عن عرشه الآسيوي من جديد بعد خسارته للقب في البطولة التي جرت في أكتوبر من عام 2000 في العاصمة بيروت على يد المنتخب الياباني وفيها اكتفى «الأخضر» بالحلول وصيفا بعد خسارته للنهائي بهدف نظيف. وبعد عام عالج المنتخب جراحه بالتأهل لنهائيات كأس العالم في كوريا واليابان عام 2002 للمرة الثالثة في تاريخه، رغم أن عبوره جاء من عنق الزجاجة حيث ظهر المنتخب بمستويات ضعيفة كادت تعصف بآماله في التأهل، لولا أنه استفاد يومها من سقوط المنتخب الإيراني منافسه على بطاقة التأهل في الجولة الأخيرة على يد المنتخب البحريني ولولا ذلك لما نجح في مهمته، وكان قد نجح بعد ذلك في تحقيق كأس الخليج ال 15 التي استضافتها الرياض في يناير 2002بيد أن ذلك لم يخف حالة الإعياء التي يعيشها المنتخب، والإرباك الذي ظل يلازمه في فترة الإعداد للمونديال وهو ما أدى لسقوطه المدوي في التظاهرة العالمية الكبرى يوم أن خسر بنتيجة تاريخية على يد المنتخب الألماني بثمانية أهداف نظيفة كانت كافية لزلزلة الأرض من تحت أقدامه، إذ واصل رحلة إخفاقه بالخسارة من إيرلندا 3/صفر ومن الكاميرون 1/صفر ليودع المونديال بعد أن حل في المركز الأخير من بين منتخبات البطولة. ورغم أن أصحاب القرار في اتحاد الكرة سعوا يومها لإخراج «الأخضر» من غرفة الإنعاش التي دخلها بسبب ما عرف يومها ب «نكسة مونديال كوريا واليابان» والتي أدت إلى حالة غليان في الشارع الرياضي إذ قاموا بإعفاء المدرب الوطني ناصر الجوهر وحل المنتخب وإعادة تشكيله وتعيين الهولندي جيراراد فاندرليم على دفة القيادة الفنية، وهو ما مكنه من استعادة أنفاسه إذ نجح المنتخب بعد أشهر قليلة في تحقيق كأس العرب التي انطلقت في الكويت في شهر ديسمبر منذ في ذات العام، ويلحق ذلك بتحقيق كأس الخليج ال 16 بعد عام واحد في البطولة التي جرت في الكويت في ديسمبر 2003، غير ان ذلك لم يكن اختبارا حقيقيا لتجاوز المنتخب لأزمته إذ سرعان ما سقط من جديد وذلك في بطولة آسيا التي جرت في الصين عام 2004 حينما ودع البطولة من دورها الأول لأول مرة في تاريخه بعد نتائج كانت صادمة لأنصاره. وأسهم دخول المنتخب في هذا المأزق الجديد في إقالة فاندرليم وإعادة الجوهر لحين ترتيب التعاقد مع مدرب جديد وهو الأرجنتيني غابريال كالديرون الذي لم يكن أوفر حظا من سابقه إذ سرعان ما قاد المنتخب لفشل جديد تمثل هذه المرة في الخروج من الدور الأول في «خليجي 17» الذي أقيم في ديسمبر بالعاصمة الدوحة، لتتعقد الأزمة غير أن كالديرون نفسه نجح بعد أشهر في قيادة المنتخب لمونديال ألمانيا 2006، لكن ذلك لم يشفع له بالاستمرار إذ سرعان ما أقيل بعد الظهور المخيب للمنتخب في بطولة كرة القدم لدورة ألعاب غرب آسيا التي استضافتها الدوحة في ذات العام، ليتم التعاقد مع المدرب البرازيلي باكيتا الذي قاد المنتخب في مونديال ألمانيا الذي لم يظهر فيه المنتخب بالمستويات التي ترضي أنصاره إذ تعادل مع تونس 1/1 وخسر من أوكرانيا 4/صفر ومن اسبانيا 1/صفر ليودع البطولة بعد أن حل في المركز الأخير في مجموعته بنقطة يتيمة. وكان المنتخب في هذا العام قد حقق ذهبية دورة ألعاب التضامن الإسلامي التي استضافتها السعودية بقيادة ناصر الجوهر، غير أن سوء النتائج وتردي أحوال المنتخب وتواضع نتائجه على الصعيد الدولي ساهم في حلول المنتخب في تصنيف متدن يعتبر هو الأسوأ في تاريخه حينما جاء في المركز 81 في تصنيف «الفيفا» عن شهر مايو لعام 2006 متراجعا 47 مركزا عن الشهر الذي سبقه حينما حل في المركز 34، رغم ان المنتخب كان قد حقق تقدما كبيرا في تصنيف الفيفا في يوليو عام 2004 حينما حل في المركز 21 ليشكل التصنيف الجديد ضربة قاصمة للكرة السعودية. وواصل المنتخب في التفريط باستحقاقاته في العام 2007 حينما فشل في تحقيق كأس الخليج ال 18 التي جرت في يناير في العاصمة أبوظبي حينما خرج من نصف النهائي ليقال على إثر ذلك المدرب باكيتا ويعين ابن جلدته هيليو آنجوس الذي قاد المنتخب في نفس العام في نهائيات كأس آسيا التي قدم فيها «الأخضر» مستويات رائعة بيد أنه فشل في استعادة اللقب المفقود للمرة الثالثة على التوالي، وفاجأ انجوس الذي قاد المنتخب في آسيا الجميع بظهور متواضع في دورة الألعاب العربية التي جرت في مصر في ديسمبر من ذات العام ما أدى لخسارة المنتخب للميدالية الذهبية واكتفائه بالمركز الثالث، ليواصل رحلة المستويات المخيبة في التصفيات الثالثة لمونديال جنوب أفريقيا وهي ما أدت لخسارته الثقيلة من أوزبكستان 3/صفر والتي على ضوئها أقيل المدرب البرازيلي وليعاد الجوهر لقيادة المنتخب من جديد في بقية التصفيات التي تأهل فيها المنتخب ليشارك في التصفيات النهائية التي تجرى حاليا والتي يعيش فيها المنتخب وضعا مربكا يهدد تأهله للمونديال جراء حلوله في المركز الرابع في مجموعته التي تضم إلى جانبه كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وإيران والإمارات وهو ما أدى لعاصفة التغيير التي اقتلعت الجوهر وأتت بالبرتغالي بوسيرو ولتبصم على حقيقة التدهور الذي تشهده الكرة السعودية والتي أدت به إلى هذه الحال. المنتخبات السنية ولم يكن هذا التدهور رفيق المنتخب الأول فقط بل يعد هذا المنتخب في حال أفضل من المنتخبات السنية التي عانت الأمرين، فالمنتخب الاولمبي لم يعرف الطريق لثلاث دورات أولمبية جرت خلال هذا العقد حيث لم يتأهل لأولمبياد سيدني 2000 وأثينا 2004 وبكين 2008، في حين عجز منتخبا الناشئين والشباب عن بلوغ كأس العالم غير مرة إما جراء الفشل في التأهل لنهائيات كأس آسيا الذي يعد محطمة لمونديالي الناشئين والشباب أو بالحضور المخيب فيهما حين التأهل، رغم ان هذه المنتخبات كانت تحقق حضورا جيدا على الصعيد الإقليمي بتحقيق بطولات الخليج غيره مرة لكن ذلك لم يكن كافيا لعودتها لعصرها الذهبي.