فهد بن سعيد (1360-1424ه) - رحمه الله- وقبل اعتزاله، يعتبر من أهم الأسماء في تاريخ الأغنية الكلاسيكية السعودية.. امتد تاريخه سنوات كثيرة منّذ ان دخل الفن عن طريق عبدالله السلوم وسليمان بن حاذور عام (1959م)، حياته وطفولته استثنائية، لكنها صنعت منه فنا جميلا مارس نغم الحرمان والوحدة في معظم أغانية حتى أصبح ماهرا في عزف العّود وقدم فكره واختراعه في العزف وفي صناعة التوليف الجزئي لأوتار العود. دائما ما يقول باني أول من عزف العود على (الشرارة) ويقصد بها الوتر السادس في السعودية، فهد بن سعيد المعتزل عن الفن قبل وفاته بسنوات (رحمه الله)، (وحيد الجزيرة) لقب استعارة من عبدالله السلوم المعلم الأول له قبل بعد بزوغ نجمه في عالم الفن السعودي والخليجي حينما كان يلقب (فتى الوادي)، ألهم القلوب بسحر أغانيه ومخزونه التراثي العميق، ان الابحار في مسيرة ابن سعيد تحتاج حلقات للبحث عن خفايا حياته والتدقيق عن فيما قدمه من إبداع شعبي نال منه حب الجماهير. الطفولة والوحدة عبدالله بن سعيد الدوسري الأب لفهد كان مقيماً في القصيم آن ذاك للاستفادة من التجارة بأنواعها وقربه أيضا لجدته الوحيدة، وبعد وفات أبيه وهو صغير انتقل مع والدته من (آل السيف) من الخرج إلى الرياض، لتتغير حياته بشكل استثنائي، قال في أحد الحوارات المسجلة شخصياً: (بان والده كان شديداً عليه وبعد وفاة والدته عاش وحيداً تائها تتلقفه صحاري وبيوت نجد وهَجِيرُهَا.؟!.)، أب وأم وأعمام وخوال وأجداد وإلى آخره من الأسرة، يفتقدهم في حياته حتى إخوته لا يعرفهم، ظل وحيداً شاعرا مطربا حزينا صنعته الوحدة والضياع وظروف الحياة. في عمر الثامنة يغني منفرداً مع الأسطوانات، ولكن استهزاء أصحابه أتى برد فعل عكسي وهي الاستمرارية لينتقل إلى عالم النجومية والإبداع بعد سنوات. لماذا (فهد بن سعيد) فهد بن عبدالله بن سعيد الدوسري، قال: (إني أخترت اسم فهد بن سعيد ليكون بعيداً عن اسمي) وبحجة (العادات والتقاليد) التي كادت ان تقتل موهبته، رفضت والدته ان يمارس الفن باسمه الحقيقي واحترام ذلك الرأي بعد وفاتها، لكنه استخدم فهد بن سعيد او لقب (فتى الوادي) المدلل في اسطواناته الأولى ثم بعد ذلك (وحيد الجزيرة). كان يوجس الرعب من أبيه حتى وان كان بعيداً عنه (لكنها الطفولة)، فهد لم يكن قريبا لأخته التي يزورها بين فترات متباعدة وأخ من أمه أسمه عبدالوهاب توفي في بداية الثمانينات وشقيق توفي صغيراً بعد وفات والديه. أول عود في حياته بعد وفاة أمه- عزف على (السمسمية) لكنه أغرم بآلة (العود) بعدما سمع مجموعة من الشباب يعزفون عليه في (رُوَشن) أحد المنازل عندما كان يعمل في نخل تابع لهم، هنا بدأ يزور ذلك المنزل ليستمع إلى العود الذي داعب إحساسه، عندها جمع مالا من عمله في النخل قبل ان يذهب لشراء (العّود) من الطائف في رحلة برية لمدة (خمسة أيام) وهو في سن (13عاما)، بعد سنوات عاد لذلك المنزل ليسمعهم (عزفه) وكان من بينهم فهد جابر الذي كان يعمل في أمارة مدينة الرياض- قسم المالية، حينها نقله إلى مجلس الشاعر سليمان بن حاذور في (حوطه خالد) بوسط الرياض وعرفه على عبدالله السلوم في (العجلية) بالرياض، فاتخذ من فرقتهم مرتكزاً هاماً لإبداعه الغنائي حتى أصبح صورةً جميلة لصوت عبدالله السلوم (أبو وحيد) أو (وحيد الجزيرة) الذي سمح لفهد أن يتقلد لقب (وحيد الجزيرة) حبا وتنبؤا له. معاناة فهد بن سعيد وهو صغير خلدت اسماً رائعاً ومبدعاً لا يتكرر محتكراً الجديد في عالم الغناء والموسيقى والعزف، حتى قال: (ان حياتي في الطفولة كانت مرتبطة مع الفوضى والضياع)، ولان والده كان بعيداً في منطقة القصيم قبل وفاته فان فهد أمتهن بعض الحرف اليدوية ليعيل أمه قبل وفاتها (1953م). ولد فهد بن سعيد في العام في (1360ه /1939م) المسجل في التابعية، حيث ان في تلك الأعوام لم يكن ذكر التواريخ شاهداً لهم حسب ما يعتقدون.!!.كانت حياته مليئة بالفوضى والترحال لكنها كانت تعطيه مداداً للإبداع والطرب، الحزن غَلُبَ عليه فحياته كانت فواصل من الدراما التراجيدية التي ترافقه منّذ كان صغيراً، لذا سيطرت على معظم أغانيه حيث كانت هي الإفراز الدائم والمسيطر عليه حسياً، لكن المداد الاهم والغذاء الروحي استلهمه ابن سعيد بحس راق في الكلاسيك، بعدما ايقن في منزل سليمان بن حاذور ب (حوطه خالد) وسط الرياض، انه المركز الأهم لإبداعه الشعري وتدوينه على السامر وكذلك هي مدرسة السلومَ الغنائية، هي كانت تلك الاجتماعات الثقافية التي أفرزت اسطوانته الاولى. المثل في الفن والأساتذة كان دائما يقر بما يقدمه الأستاذ عبدالله السلوم من دعم فني وألحان دون مقابل حتى قال: (انه المعلم الأول في نجد وهو الذي كان ينوط لي الأغاني وهو من أعطاني لقب (وحيد الجزيرة بعدما كان لقبه)، كما هو الحال للفنان أبو سعود الحمادي المثقف بينهم وكذلك (العازف الماهر) صليح الفرج (رحمهم الله) الذي عزف لابن سعيد أغنية (ياصاحبي ما بالمحبة) و(يا عاذل المبلي) ورافقه أبن سعيد على الكمان حينها وهو يغني، لكنه تأثر سماعياً بسالم الحويل وسلامة العبدالله في بداياتهما الفنية، يقول: (ان الفن الشعبي هو الأصل في السعودية ويجب ان نحارب من اجل بقائه، وان التطوير ليس بوضع الكوبليهات إنما بنقلها من مرحلة إلى أخرى)، هو الذي احتفظ بقالبه المميز (الفن الشعبي) وقال: (انه امتداد للتراث وهو يُردَد من مئات السنين، فيجب علينا إبرازه). الأسطوانة (لم تنجح) اعتزازه دائما بالشاعر سليمان بن حاذور الذي تعلم منه أصول السامر وتغنى بأكثر من (40) قصيدة له، يقول ابن سعيد: (ان لدى ابن حاذورسرحمه اللهسأكثر من أربعين جلسة لي لم تر النور)، في البداية سجل أول اسطوانة وهو (صغير) بعد وضوح بصوته في أغنية (زمة نهت والعيون السود) (1959م) .لابن حاذور ولم تنجح وتلتها أكثر من ست اسطوانات هي أيضا من كلمات ابن حاذور لكنها لم تنجح. محاولة اليأس يعتبرها فهد بن سعيد المحاولة الأخيرة بعد فشل أكثر من ( 6اسطوانات)، فقدم اسطوانة (فكرت والمكتوب) (1964م)، سامرية من كلمات سليمان بن حاذور وقدمها على أكمل وجه كما يقول بعد ان أخذ الدور كاملا ونضج صوته واكتمل، وقد تواجد معه أثناء التسجيل الفنان منصور العجيبان، حيث طبعت ب (5000) اسطوانة، وبيعت كل اسطوانة ب (30) ريالا لدى (اسود فون)، واستمرت طباعتها إلى ان دخل كاسيت المكسيل عام (1971م). لبنان- (ليه الزعل) سافر فهد بن سعيد إلى جمهورية لبنان في العام (1966م)، وتعتبر السفرة الأولى في حياة ابن سعيد خارج الوطن وسجل حينها مجموعة أغان منها (خل الزعل) للشاعر فهد ابن علوش و (عيت عيوني) للشاعر سعد بن دحيم مع الفرقة اللبنانية بقيادة عبود عبدالعال، ونجحت تلك الاسطوانة كثيراً. ما بعد لبنان اسطوانة (خلاص من حبكم) للشاعر محمد الجنوبي وألحان عبدالله السلوم، ونجحت حتى وصلت عربياً، ثم تبعها بجلسة تسمى جلسة السلوم وهي على عدة اسطوانات لدى (إبراهيم العجيان) والتي ضمت العديد من الأغاني الشهيرة منها (عشرة سنين) للشاعر ناصر بن درعان و (ياعيون الشقاوي) و(خلوني ابكي) و(لأجل الله) و(سهرت الليل ياليلي) و(مخطور) للشاعر سعد بن دحيم وغيرها وهي من ألحان عبدالله السلوم الذي رافقه بعزف الكمان، وكانت تلك الاسطوانات هي التأكيد على السيطرة الكاملة على سوق الاسطوانات مبعداً كل الفنانين. شعراء مرحلة الاسطوانات من علمه اصول السامري سليمان بن حاذور ولازمه كثيراَ، ثم سعد بن فهد دحيم ابن شاعر الملك عبدالعزيز (رحمهم الله) وقدم مجموعة كبيرة من الاغاني منها (شفت ياناس زول) و(عافت النوم عيني) و(ومخطور) و(حسيبك زمانك)، أيضا الشاعر (المشتاق) محمد بن ضاحي العتيبي ولازم ابن سيعيد منّذ ان كان في (20عاما) وقدم مجموعة كبيرة منها: (الا واعذابي)، (كلنا لك)، (الا ياربيع العمر)، (الا يامن لقلب)، الشاعر محمد بن ناصر (المختار) يقول عنه ابن سعيد: (انه متمكن ولا ينسى) وقدم له العديد من الاغاني منها (الا يالله)، (صابني في زماني)، (ياهلي والقلب)، (ياناس خلوني)، وكذلك الشاعر ناصر بن شنار قدم اغاني عديدة منها (ياليت بعض العرب). في الحلقة القادمة- وساطته لبشير شنان ودخوله عالم الفن ومدرسة السلوم وبداية سرقات الأغاني، وتوليه منصب رئيس جمعية الثقافة والفنون بالشارقة وتوظيفه برتبة وكيل رقيب في فرقة الجيش القطري.. تجدونها في المرحلة الثانية لفهد بن سعيد عبر (مساحة زمنية).