أكثر من حصار يعيشه الشعب الفلسطيني، ففي الداخل سجناء من الشعب يعارضون بعضهم والضياع بين حماس والضفة، أفقد القضية زخمها، فقد عجزت الوساطات عن أن تجمع الفرقاء، وقد أحدثت هذه الفوضى علّة طويلة وضعت الدول العربية الفاعلة، خارج أي جهد دولي حتى المشروع العربي للسلام، والذي ترسل إسرائيل إشارات بأن يكون قاعدة الحوار مع العرب يأتي كلام مسؤوليها مجرد هدنة دبلوماسية، خاصة في ظرف دقيق تجري فيه حالة انتقال للسلطة الأمريكية وانتخابات إسرائيل.. حماس قامت بإرسال صواريخها القسام غير الجارحة لإسرائيل، وردت الأخيرة بحمام دم هائل وتدمير للبنية الأساسية، والمؤلم بشكل مثير أنه بدلاً من توحيد السياسة والأمن، وكل ما يتعلق بأفق المصالحة بين الفلسطينيين، وإدراك أن العدو يفهم موقفه وعداءه، وأنه ضد كل فلسطيني، بالمقابل لا تسري معالجة الوضع فلسطينياً، وفهم أن الجميع في خندق الحروب الطويلة التي بدأت بالقتل والحصار، إلى الاعتداء الواسع الذي أوجد مجزرة أمس عندما تناثرت الجثث في الشوارع والطرقات.. إسرائيل ليس لديها من يردعها، وهي تستغل مناسبات إطلاق الصواريخ عليها لتجعلها عذراً للمواجهة الكبيرة، وفي لحظة المأساة يتبادل الفلسطينيون الاتهامات بينهم، وهنا لابد من فهم أن كل من يحاول فتح نافذة مع القوى الكبرى في وقف الضربات الإسرائيلية يواجه اشتراطاتهم التي تتبناها إسرائيل، أي أن التفاعل السلبي مع ما يجري على الأرض الفلسطينية مرهون بوقف الصواريخ، وإعادة التهدئة.. من المسؤول فيما يجري، الحكومة المركزية، أم حماس، وهل البحث عن دور عربي ودولي في هذا الظرف الدقيق يمكن أن ينجح؟ باختصار شديد المطلوب الاعتراف أن الشتات الفلسطيني الذي أحدثته الانقسامات يفترض التعامل معه بمسؤولية وأن يقف طرفا الخلاف على الواقع بأن ينشأ الحل من داخلهما، لأنه لا فائدة في أن تفقد البوصلة الفلسطينية اتجاهها، ويزعم كل فريق أنه صاحب القضية، والدفاع عنها، أو حلها. المجزرة أعادتنا إلى أن إسرائيل لا يهمها اللوم، أو المواقف الدولية وأنها تستخدم وسائلها القاتلة كرد فعل بأن حماس ضمن دائرة القوى المتطرفة، وحتى مع القناعة بأن المقاومة حق مشروع أمام جبروت إسرائيل، إلا أن قرار هذا التعامل يفترض أن يأتي من إجماع فلسطيني بدلاً من أن تنفرد إسرائيل بطرف واحد، وتجعله هدفها ووسيلة التأديب لما تدعي أنه واجبها في حماية مدنها وأرضها، ويصبح الطرف المهادن، إن صح التعبير، مجرد خصم يمكن التفاهم معه، والحصيلة دائماً أصفار في أصفار.. لا ندري ما ستؤول إليه العملية الإسرائيلية وسط تصريحات قادتها بأنهم يعدون لضرب البنية لكل حماس، ولابد من اجتثاثها، وهذا التصرف يؤكد أن الوحدة الوطنية الفلسطينية، مطلب فرءضي قبل أن تصل الكارثة إلى حدودها القصوى، وسط تعامل دولي وعربي عاجزين عن أن يعملا أي شيء يوقف مسلسل الموت العنيف..