لسماء الرياض شكل مختلف حين تغطيها الغيوم، تجعلك تنسى العواصف الرملية والصيف الخانق وزحام الظهر والصبح والمساء. وحين تغازلها حبات المطر فإن شوارعها تتلألأ بطريقة آسرة، تجعلك تنسى التحويلات والحفريات والإصلاحات. حتى الزحام في أيام المطر لا يؤثر فيك، تجد السيارات مرتاحة في انتظارها والكل يستمتع بالجو على طريقته متناسيا أنه مستعجل وأن لديه مليون مشوار وسبعمائة موعد وآلاف الأشياء المؤجلة التي تمنعه من الاستمتاع بأي شيء وكل شيء. قد تمر عيناك على حادث شغل جزءاً من الطريق فما أكثر حوادث السيارات في أيام المطر لكنك تنشغل عنه بالتأمل في السماء والحبيبات المتناثرة متسائلا هل ستستمر أم أنها مجرد سحابة عابرة؟ وحين يقفز الصغار حولك وهم يتراكضون مرددين مطر...مطر، فإنك لا تتذمر من إزعاجهم ولا صراخهم كعادتك، بل تبتسم وتلحقهم وتفتح الباب أو النافذة كي تسعد عيناك بالمنظر، فحبات المطر تخفي قطعة الأرض الفارغة أمام منزلك والتي أصبحت مكباً للنفايات كما أنها تجعلك تتجاهل سيارة جارك التي تغلق المكان أمام بوابة منزلك، وتجعلك تنسى غضبك المتكرر حين يتجمع أولاد الحارة قريبا من سور بيتك، أنت اليوم لا ترى شيئا من المنغصات التي تعودت عليها، كما أنك لا تهتم ببقعة الماء الكبيرة التي تجمعت في أقصى الشارع فعيناك مشغولتان بتأمل السماء مبتعدتان عن الأرض وكل ما يتعلق بها. يتحول مزاجك من حالة لأخرى، تتغير أشياء كثيرة فيك، يختفي كل جفاف داخلك، تمسح المرارة التي تعتريك في معظم الأحيان، يختفي هذا المتذمر الذي في داخلك، كما قلت مزاجك يختلف. كم نحتاج للمطر ليروي كل شيء فينا، ويغسل دواخلنا المتعبة.