تلك السحب المتراكمة في سماء أوربا هذا الصيف كانت تنعش الجفاف في نفوسنا, كنا نحملق فيها .. نظرتنا تتصوب عليها كريشة فنان.. نرسم عليها اشكالا هي أغنيات الخيال.. وحين تتساقط حبات المطر فيجفل منها من تعودوها, نكاد نمد أكفنا في الفراغ الواسع نتلقفها وكأننا نلتقط حبات من اللؤلؤ تنثرها حسناء السماء .. ومع ذلك فقد أدركنا كم كانت الغيمة اليتيمة في صحرائنا .. تلك الزائرة على استحياء.. فاتنة لشغاف قلوبنا حين تخطر على بساط السماء الأزرق وكأنها عروس تزف إلى عشق الصحراء.. رقة بداوة السماوات آتية كي ترطب بداوة البراري .. إن لها فتونا أخاذا يختلف عن جمود ذلك الركام الذي كانت تتدثر به سماء أوربا كلحاف سميك يقيها قسوة برد الشمال .. غيمتنا .. الرقيقة .. التي لا تلبث أن تذوب وسط ثنايا الدفء في هامات أشجارنا وصخورنا .. لها حضور سحري عجيب يلامس قلوبنا من الداخل كرنين جرس طفولة يدق ايذانا باشراق فرح الطبيعة.. أنت يا سمار القرنفل ومذاق بهارات الشرق مثل تلك الغيمة بدوت أكثر جمالا من كل النساء هناك.. ربما كن أكثر اتساقا في الزي الأخاذ الذي يعطي للمفاتن فرصة الاغتسال بحبات المطر.. ربما كن مثل أوانس الحمائم أقرب استجابة لترديد تراجيع الهديل والزهو رفيفا حول هدية العاشق.. ربما كن يمثلن مهرجانا متحركا لفتون الألوان والعطور والابتسامات.. أما أنت فمثل باقة ورد تلتف حول موالد ازهارها تثنيات الأوراق.. كنت مثل غزال بري .. سريع الالتفات .. سريع الحذر ينفر من انفراج الأكف بجميل الهدايا.. كنت مجموعة من الخبايا الساحرة تستلزم أزمنة متلاحقة حتى تأتي مواسم التعارف مع الألوان والعطور والمذاقات.. كنت دفئا في عاصمة الصقيع.. خصوصية مبهمة وسط مهرجانات المفاتن المشاعة.. وحضورا ايحائيا غامضا كعربة سحرية تجرها خيول النظرات فتتأبى .. تخطو بتباطؤ.. تأتي إلى الذهن .. الخيال.. الحلم قبل أن تتمسح بها الأنامل.. الأروع أنك لم تتحولي إلى بخار متصاعد يتداخل مع غيوم المدينة ولكنك بقيت ذلك التميز الآتي من سماوات شديدة الاختلاف.. لو تداخلت مع مغريات ما حولك لتلاشت كل تلك الخصوصيات.. إلا أنك مثل كل شيء شرقي ثمين.. تتداخل فيه الحيرة ما إذا كان اسطورة أو حقيقة, وهما وتخيلا أم واقعا ومعلومة يقين.. مثل كل ما يقال عن بلقيس وكليوبترا وعشتار.. إن التمجيد الأرقى لما فيك من خصوصيات الشرق لن يأتي عبر التذوق التقليدي للألوان والعطور والمذاقات.. إنه أصعب من ذلك بكثير.. إن التمجيد لخصوصياتك الأرقى لن تستطيع التحليق به ورسمه حولك هالات من الشغف كي تزدادي اقترابا .. يتهادى بك ذلك الخطو المتمهل فتتساقطين في العيون والشفاه وثنايا الروح والقلب حبات مطر من غيمة سماوات صحاري لم تتعود على ابتذال المتعة, لكنها حين تتذوقها .. تتداخل معها, تفعل ذلك وهو إرواء لعطش واشراق في ثنايا عتمة واحتفال خيال مهيب تخطرين فيه ملكة تأتي خلفها عربات بلقيس وكليوبترا وعشتار..