أخفى الغبار مدينتنا العامرة .. الرياض ... أياماً .. ثم أياماً .. بعد أن بسط عليها غلالة شاحبة اللون تحجب المدى .. كانت العواصف الترابية تزورنا كل حين ..!! فكثر العناء .. واشتد البلاء .. وابتهل العباد لرب السماء ... !! أصبحت سماؤنا صفراء ، وتكدرت فيها النفوس الخضراء ... كم زهرة يانعة .. ونخلة باسقة .. ذهبت نضارتها وذبل جمالها .. بعد أن غمر الغبار كل أجزائها .. تحولت الرياض إلى مدينة يكسوها التراب .. ويلفها الغبار .. !! اختفت معالم المدينة الشهيرة التي تطاول السحاب، وتلاشت ذؤابات النخيل وقمم الأشجار وأعمدة النور في الشوارع الأليفة تحت سطوة العاصفة .. عجاج .. يحجب الأفق البعيد .. والقريب .. !! والرؤية منعدمة .. لا تكاد تلمس من حولك .. !! وإذا كان شاعرنا العراقي يطرب ، ويحن للعجاج والغبار .. عندما قدر له أن يعيش في الغرب الممطر دوماً .. حين قال : شوقي إلى مسرى العجاج وهمسه نغم طروب من عندليب على فَنَنْ وصيتي إن مت في الغرب يوماكَيْلاً من العجاج ضعوه مع الكَفَنْ فلا أظن هذا الشاعر يقصد عجاج الأيام السابقة .. !! لأنه الموت الأحمر بعينه .. هو الكفن المغبر ذاته .. !! رياضنا أسيرة للغبار .. مشتاقة لسحب المزن والأمطار .. !! وربنا كريم منان .. أذن سبحانه لقطرات المطر .. وومضات البرق والرعد .. وندى المزن لورد قد اكتأب .. فإذا الرياض تغسل وجهها الشاحب .. !! وإذا النخيل يتراقص جذلاً بزخات المطر البارد .. !! وإذا الورود والأزهار تتفتح من جديد .. فتهدينا رحيقاً وشذى أزكى من العبير .. !! وانحل سلك القطر عن در البحر .. فنثرت السماء خيراتها .. استعار السحاب جنون العشاق .. وأكف الأجواد .. سحاب حاكى المحب في انسكاب دموعه .. والتهاب النار بين ضلوعه . . سحابة يضحك من بكائها الروض .. وتخضر من فيضها الأرض .. !! يا للرياض .. !! ما أروعها عندما يداعبها قطر السماء .. وما أجملها عندما يبللها الندى .. عندها تتراقص جذلاً وتنتشي فرحاً .. !! إنها الرياض مدينتي التي أعشقها بكل تفاصيلها .. وأحبها وأحب أهلها ... بعد الغبار .. مطر .. !! ويدوي في أذني صوت السياب : مطر .. مطر .. مطر... تساقط المطر .. وأنا أمشي .. رفعت رأسي للسماء .. فإذا الغيوم ترسل البشائر .. بزخات من المطر الهادر .. !! التفت حولي فإذا الأرض مزهوة بتلك القطرات العزيزات .. !! عندها أبى دمعي إلا أن يشارك المطر هطوله .. ففاضت من عيني دمعة ومن قلبي خفقة .. شكراً لرب لا نستطيع أن نحصي فضائله .. !! وجاشت عندها خواطري .. وتزاحمت بين أصابعي مشاعري لتخط هذه الكلمات .. بعد الغبار .. مطر .. !! ها أنا رجعت لأستمتع بصوت المطر .. مطر ... مطر .. مطر .. من السماء انهمر ليغسل أرواح ونفوس البشر مطر .. مطر ... مطر أهطل فوق الحقول والبساتين والشجر وارو ظمأ الورود والزهر وارجع زقزقة وألحان الطير أهطل وأنعش القلوب بفيض ينهمر وامزج حباتك مع مياه البحر مطر .. مطر .. مطر فبهطولك تعود الحياة ويصبح كل شيء في الوجود أخضر .. أهطل وأغسل الحزن والألم في نفوسنا اجعلنا ننسى ولا نتذكر .. بعد الغبار ... مطر ... !! صورة ربانية تقول لكل إنسان أحاطت به الهموم وأصابه اليأس .. !! إن بعد الغبار مطراً .. !! وبعد اليأس .. فرجاً .. !! فكن متفائلا .. تصفو لك الحياة .. تجاوز حدود اليأس إلى فضاءات الأمل .. وأعلم أن جمال الفرحة لا يكون إلا بعد ألم .. وروعة النجاح .. لا تكون إلا بعد تعب .. !!